أخذ الاجرة على الصناعات الواجبة

mhzar-olama

الاشكال في وجه جواز أخذ الأجرة على الصناعات التي يتوقف عليها نظام البلاد فان تلك الصناعات من الواجب الكفائي، بل من الواجب العيني عند عدم قيام من تكون بقيامه كفاية، فكيف يجوز أخذ الأجرة عليها، وأجيب عن ذلك بوجوه. (الأول) الالتزام بتخصيص قاعده عدم جواز أخذ الأجرة على الواجب، ورفع اليد عنها باعتبار الاجماع وسيرة العقلاء المتدينين منهم وغيرهم. (الثاني) انكار تلك القاعدة في غير العبادات. ويظهر ذلك من كل من ذكر جواز أخذ الأجرة على القضاء، بلا تقييد بصورة عدم تعينه على القاضي. (الثالث) جواز أخذ الأجرة على تلك الصناعات بعد سقوط وجوبها بقيام من به الكفاية عليها، فانّه يكون أخذها على غير الواجب ـ وفساد هذا الوجه أوضح، فانّ لازمه الحكم بفساد أخذ الأجرة على الجماعة القائمة بها قبل سقوط وجوبها، مع جريان السيرة القطعية على القيام بها بالأجرة في كل عصر، من غير نظر إلى سقوط وجوبها بفعل الآخرين وعدمه. (الرابع) الالتزام بعدم جواز أخذ الأجرة على عمل يكون بعنوانه محكوماً بالوجوب، كتجهيز الموتى وتعليم الأحكام وأمّا العمل المحكوم عليه بالوجوب بعنوان حفظ النظام لا بعنوان نفسه، فلا مانع من أخذ الأجرة عليه. وهذا الوجه أيضاً بلا موجب، فانّه لم يظهر الفارق بين العمل الواجب بعنوانه وبين الواجب بعنوان آخر.

(الخامس) الفرق بين تلك الصناعات وغيرها من الواجبات، بدعوى أنّ عدم جواز أخذ الأجرة على الصناعات يوجب اختلال النظام، فان كل وحد يختار من تلك الصناعات ما هو أسهل، ويترك الصعب أو الأصعب على الآخرين لأنّ الداعي إلى الأقدام على الأعمال الشاقة الصعبة هو الطمع في الأجرة فتسويغ أخذ الأجرة عليها لطف، أي تقريب للعباد إلى موافقة التكليف باقامة النظام، لا أنّه ينافي هذا التكليف. (السادس) دعوى أن تلك الصناعات من قبيل الواجب المشروط فيكون وجوبها مشروطاً ببذل العوض عليها، سواء كانت الصنعة الواجبة من الواجب العيني باعتبار انحصار من به الكفاية، أو من الواجب الكفائي كما في صورة تعدده وعدم انحصاره، وعلى كل فلا تكون تلك الصنعة واجبة على المكلف قبل اعطاء العوض بعنوان الاجارة أو الجعالة، بل باعطائه يحصل شرط وجوبها عيناً أو كفاية. وبعبارة أخرى لا تكون الصنعة ـ حال قرار الأجرة لها بالأجارة أو الجعالة ـ واجبة حتى تكون تلك الأجرة على العمل الواجب، والجواب عن هذا الوجه ظاهر، فانّ الواجب على الطبيب مثلاً احياء النفس وانقاذها من الهلكة، سواء بذل على طبابته العوض أم لا. (السابع) أنّ وجوب تلك الصناعات غيري باعتبار توقف اقامة النظام عليها ومن الظاهر عدم توقف إقامته على العمل مجاناً ليجب العمل كذلك، بل الموقوف عليه بذل النفس للعمل ولو مع العوض. ثم ذكر هذا القائل أنّه إذا بذل المريض الأجرة للطبيب وجب عليه المعالجة وإن لم يبذل مع أداء ترك العلاج إلى هلاكه أجبره الحاكم حسبة على بذلها. والفرق بين هذا الوجه والوجه الرابع هو أنّ الصناعات على هذا الوجه واجبات غيرية، بخلاف الوجه الرابع فانّها عليه واجبات نفسية، ولكن ليس وجوبها بعناوينها الأولية، بل بالعنوان الطاريء عليها، وهو عنوان التحفظ على النظام. وكيف كان فهذا الوجه أيضاً فاسد، فانّه لا يجب على المريض بذل الأجرة حتى يجبر عليه مع امتناعه، بل الطبابة واجبة على الطبيب، بذل له الأجرة أم لا، وعلى ذلك فيكون للمريض وغيره اجبار الطبيب على الطبابة من باب الأمر بالمعروف. والحاصل أنّ هذا الوجه على تقدير تماميته يدل على جواز أخذ الأجرة وبذلها، لا على وجوبهما، مع أنّ التفرقة ـ بين الواجب الغيري والنفسي بجواز أخذ الأجرة على الأول دون الثاني ـ غير تامة. ظاهر قوله سبحانه «فإن ارضعن لكم فأتوهنّ أجورهن» جواز أخذ المرأه الأجرة على ارضاعها، سواء كان باللباء أو غيره، فإن تمت دعوى منافاة أخذ الأجرة لوجوب الفعل، فلابد من تقييد الآية بالارضاع بغير اللباء. والتعبير بالأجر فيها ظاهر في ثبوته من جهة المعاوضة، لا أنّه حكم شرعي وتعبد خاص كجواز أكل المار من ثمرة طريقه، حتى لا يمكن التعدي، كما لا يخفى.