صفات و ظروف تربوية الإمام زين العابدين عليه السلام في سطور

صفات الإمام زين العابدين عليه السلام في سطور

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون:

أنه كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: والكاظمين الغيظ وأسرع الإمام قائلاً: “كظمت غيظي”، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام عليه السلام: “عفا الله عنك”، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال عليه السلام لها: “إذهبي فأنت حرّة”.

و سبّه لئيمٌ فأشاح عليه السلام بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني… وأسرع الإمام قائلاً: “وعنك اُغضي…” وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل. ومن عظيم حلمه عليه السلام: أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال عليه السلام له: “إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك”.

وأجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها: مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام عليه السلام، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام عليه السلام: ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام عليه السلام: هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له. ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره.

وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس. وكان عليه السلام يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: “مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة. و كان عليه السلام كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل، وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال عليه السلام لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!”. وكان يقول: الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده.۱

الظرف التربوي للإمام السجاد والقابه عليه السلام

لقد توفّرت للإمام زين العابدين عليه السلام جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول صلى الله عليه وآله ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء على أداء رسالته.

نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه، ومنذ الأيام الاُولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية.

كما عاش الإمام عليه السلام في كنف عمّه الزكي الإمام الحسن المجتبى عليه السلام سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام عليه السلام طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم أبي الأحرار وسيّد الشهداء الإمام الحسين بن علىّ عليهما السلام الذي رأى في ولده علي زين العابدين عليه السلام امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة والإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدّمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته.

لقد ولد الإمام زين العابدين عليه السلام في المدينة في اليوم الخامس من شعبان سنة (۳۶ هـ ) يوم فتح البصرة، حيث إنّ الإمام علي عليه السلام لم ينتقل بعد بعاصمته من المدينة الى الكوفة. وتوفّي بالمدينة سنة (۹۴ أو ۹۵ هـ ).

وهناك من المؤرخين ذكر أنّه ولد في سنة (۳۸ هـ ) وفي مدينة الكوفة حيث كان جدّه الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قد اتّخذها عاصمة لدولته بعد حرب الجمل، فمن الطبيعي أن يكون الحسين السبط عليه السلام مع أهله و أبيه عليه السلام في هذه الفترة بشكل خاص.

اُمّـهُ: و اسمها “شهربانو” أو “شهر بانويه” أو “شاه زنان” بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، وذكر البعض أنّ اُمه قد أجابت نداء ربّها أيّام نفاسها فلم تلد سواه.

كُـناه: أبو الحسن، أبو محمّد، أبو الحسين، أبو عبد الله

ألقابـه: زين العابدين و ذو الثفنات و سيّد العابدين و قدوة الزاهدين و سيّد المتّقين و إمام المؤمنين و الأمين و السجّاد و الزكي و زين الصالحين و منار القانتين و العدل و إمام الاُمّة و البكّاء، وقد اشتهر بلقبي السجاد و زين العابدين أكثر من غيرهما.إنّ هذه الألقاب قد منحها الناس للإمام عندما وجدوه التجسيد الحيّ لها، والمصداق الكامل لـ : ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾ وبعض الذين منحوه هذه الألقاب لم يكونوا من شيعته، ولم يكونوا يعتبرونه إماماً من قبل الله تعالى، لكنّهم ما استطاعوا أن يتجاهلوا الحقائق التي رأوها فيه.

لقد ذكر المؤرّخون ما يبيّن لنا بعض العلل التأريخية لجملة من هذه الألقاب المباركة:

روي عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الانصاري أنّه قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وآله والحسين في حجره وهو يلاعبه فقال صلى الله عليه وآله : يا جابر، يولد له مولود اسمه عليّ، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أنت أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام .۲

———————————————————-

۱- اعلام الهداية ج۶ ص۴۵_۵۰٫
۲- حياة الإمام زين العابدين دراسة وتحليل ص۳۹٫