تراث الإمام الكاظم عليه السلام
لقد ورث الإمام موسى الكاظم عليه السلام مدرسة أبيه الصادق عليه السلام وحظيت منه بالتوجيه والرعاية الشاملة لتلامذته وأصحابه بالرغم من قساوة الظروف وتغيّرها خلال ثلاثة عقود ونصف من العمل العلمي الدؤوب وتربية مستمرة للنابهين من صحابته وطلاّب المعرفة من أتباعه وشيعته.
وقد أثرت عن الإمام الكاظم عليه السلام عدة مجموعات روائية مثل: مسائل علي بن جعفر ، والاشعثيات وتصدّى المعنيون بتراث أهل البيت عليهم السلام بجمع التراث المأثور عن أهل البيت عليهم السلام وتنظيمه وتبويبه من مختلف المصادر وتسميته بالمسند. وهذا عمل يشكر عليه عامله لأنه يوفر للباحثين الفرصة الكافية للغور في هذا التراث ودراسته دراسة معمّقة بالأرقام.
وفيما يخصّ الإمام موسى عليه السلام نلاحظ آخر ما جمع من كلامه وما يرتبط به من نصوص قد بلغ ثلاث مجلّدات يناهز مجموعها الألف صفحة مبوّبة حسب تبويب الموسوعات الحديثية مع فارق أو أكثر. فالمقدمة تشتمل على مجموعة من النصوص التي تخص نشأة الإمام وحياته وسيرته. ثم يقسّم تراثه الحديثي الى أبواب العقائد والأخلاق والأحكام والسيرة والتاريخ والرجال.
وفيما يخصّ مسند الإمام الكاظم عليه السلام إذا مررنا عليه مروراً عابراً وسريعاً أيضاً كفى ذلك لنقف على عظمة الدور الفكري والعطاء العلمي الذي قدّمه هذا الإمام العظيم الى الاُمة الإسلامية بشكل عام والى الجماعة الصالحة وطلاّب المعرفة المؤمنين بخط أهل البيت عليهم السلام بشكل خاص، لا سيما إذا لاحظنا قساوة الظروف السياسية والاجتماعية التي مرّ بها الإمام موسى عليه السلام وأصحابه وشيعته خلال ثلاثة عقود ونصف تقريباً.
لقد ترجم هذا المسند ( ۶۳۸ ) شخصاً من رواة الإمام الكاظم عليه السلام وهو رقم كبير جداً بالنسبة للمدة الزمنية التي عرفناها والظروف التى وقفنا عليها. وقد اشتمل الفهرس على عدد نصوص كل باب من أبواب المعرفة. وتتراوح هذه النصوص بين نصوص مأثورة بواسطة الإمام الكاظم عليه السلام عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي تكشف عن مدى اهتمامه بسيرة وحديث جدّه صلى الله عليه وآله وسلم وبين نصوص لا يسندها الى أحد مما يمكن أن نعتبرها من تراثه الخاص كمانلاحظ ذلك في الرسالة الكبيرة التي أثرت عنه حول العقل ولعلها الرسالة الوحيدة الجامعة لما يخصّ العقل من شؤون في الكتاب والسنة وهي لوحدها تراث جامع وأثر خالد يتضمّن المنهج المعرفي القرآني والحديثي لأهل البيت عليهم السلام.
والجزء الأول من هذا المسند قد اشتمل على الأبواب التالية:
العقل والعلم في (۱۰ أبواب) ، التوحيد في (۱۴باب) ، تاريخ الأنبياء والأئمة في (۱۴ باب)، والنبوة والإمامة في (۲۲ باب) والتعريف بالصحابة في (۴۱ باب) والتعريف برواة الإمام الكاظم في (۶۳۸ باب) وأبواب الإيمان والكفر في (۴۲ باب) والأخلاق والعِشرة في (۱۵۲ باباً ).
كما تضمن الجزء الثاني: كتاب القرآن بأبوابه الـ ( ۵۱ باب) وكتاب الدعاء في (۵۱ باب) والاحتجاجات في (۸ أبواب) ومعظم كتب الفقه ، فكتاب الطهارة في(۷۳ باب) وكتاب الصلاة في(۴۱ باب) وكتاب الصوم في ( ۲۵ باباً ) وكتاب الزكاة في ( ۲۸ باباً ) وكتاب المعيشة في ( ۵۹ باباً ) وكتاب السفر في (۸ أبواب) وكتاب الحج في ( ۶۸ باباً ) وكتاب الزيارة في ( ۷ أبواب ) وكتاب الجهاد في ( ۵ أبواب ) وكتاب النكاح في ( ۴۰ باباً ) وكتاب الطلاق في ( ۳۰ باباً ).
وتضمن الجزء الثالث من المسند: كتاب الأولاد في ( ۱۲ باباً ) وكتاب التجمّل والزينة في ( ۴۳ باباً ) وكتاب الرواتب في ( ۱۲ باباً ) وكتاب الأطعمة في ( ۶۸ باباً ) وكتاب الاشربة في ( ۱۳ باباً ) وكتاب العتق في ( ۱۲ باباً ) وكتاب الايمان والنذور في ( ۹ أبواب ) وكتاب الحدود في( ۱۸ باباً ) وكتاب الدّيات في ( ۱۶ باب) وكتاب الوصية في (۱۵ باب) وكتاب الارث في (۱۱ باب) وكتاب الجنائز في (۲۹ باب) وكتاب الحشر والمعاد والآداب والسنن.
إنّ هذا التنوع في أبواب المعرفة التي اُثرت عنه لدليل آخر على الجانب الموسوعي في هذا التراث بالإضافة الى وضوح التكامل في المسيرة العلمية التي بدأها أهل البيت عليهم السلام وسهروا على إرساء قواعدها واشادة اُصولها ومعالمها والتخطيط لاثمارها والحرص على إنجاز دورها التغييري في المجتمع الإسلامي عامة وفي الجماعة الصالحة بشكل خاص.
وإليك بعض النصوص المختارة من هذا التراث العظيم في الأبواب التالية:
اُصول العلم ومراتب المعرفة:
۱ قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام: “وجدت علم الناس في أربع، أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة: أن تعرف ما أراد منك، والرابعة: أن تعرف ما يخرجك من دينك”.
۲ وقال عليه السلام: “أولى العلم بك ما لا يصلح لك العمل إلاّ به وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك; وأظهر لك فساده، وأحمد العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشتغلنّ بعلم مالا يضرّك جهله، ولا تغفلنّ عن علم ما يزيد في جهلك تركه”.
۳ وقال عليه السلام: “فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عنّا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد….
مصادر المعرفة ومنهجها:
۱ عن سماعة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام ، قال: قلت له: أكلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أو تقولون فيه؟ قال: “بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
۲ عن سماعة، عن العبد الصالح قال: سألته فقلت: إنّ أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدّك وسمعوا منهما الحديث فربما كان شيء يبتلي به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء يفتيه وعندهم مايشبهه، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال: “لا إنما هلك من كان قبلكم بالقياس”، فقلت له: لم لا يقبل ذلك ؟ فقال: “لأنه ليس من شيء إلاّ وجاء في الكتاب والسنة”.
۳ عن موسى بن بكر ، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: “من افتى الناس بغير علم لعنته ملائكة الأرض وملائكة السماء”.
۴ عن عثمان بن عيسى، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس فقال: “مالكم والقياس إنّ الله لا يسأل كيف أحلّ وكيف حرّم”.
۵ عن يونس بن عبدالرحمن، قال: قلت لابي الحسن الأوّل عليه السلام: بما اُوحّد الله ؟ فقال: “يا يونس لا تكوننّ مبتدعاً، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم ضلّ، ومن ترك كتاب الله وقول نبيّه كفر”.
۶ إنّ من غرر أحاديث الإمام موسى بن جعفر عليه السلام في مجال العقل كمصدر معرفي أساس هو وصيّته الثمينة لهشام بن الحكم والتي سُمّيت برسالة العقل عند الإمام عليه السلام ، وإليك نصّ الرسالة:
قال عليه السلام: “إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال:﴿…….. فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ﴾
يا هشام بن الحكم إنّ الله عزّوجلّ أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان ودلّهم على ربوبيته بالأدلاّء، فقال: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ …….. لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
يا هشام قد جعل الله عزّ وجلّ ذلك دليلا على معرفته بأنّ لهم مدبّراً فقال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ وقال: ﴿حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إنّا جعلناهُ قرآناً عربياً لعلكم تعقلونَ﴾ وقال:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾.
يا هشام ثمّ وعظ أهل العقل ورغّبهم في الآخرة فقال:﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾. وقال:﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ .﴾
يا هشام ثمّ خوَّف الذين لا يعقلون عذابه فقال عزّ وجلّ: ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾.
يا هشام ثمّ بيّن أن العقل مع العلم فقال:﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ﴾
يا هشام ثمّ ذمّ الذين لايعقلون فقال:﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ ﴾. وقال:﴿ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾. وقال:﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
ثمّ ذم الكثرة فقال: ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾. وقال: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾. “وأكثرهم لا يشعرون”.
يا هشام ثمّ مدح القلة فقال:﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾ وقال:﴿ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ﴾ وقال:﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾.
يا هشام ثمّ ذكر أولي الالباب بأحسن الذكر وحلاّهم بأحسن الحلية، فقال:﴿ يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾.
يا هشام إنّ الله يقول:﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ﴾ يعني العقل. وقال:﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ قال: الفهم والعقلَ.
يا هشام إنّ لقمان، قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقلَ الناس “. يا بنيّ إنّ الدنيا بحرٌ عميقٌ قد غرق فيه عالم كثير فلتكن سفينتك فيها تقوى الله وحشوها الإيمان وشراعها التوكل وقيمتها العقل. ودليلها العلم وسكّانها الصبر.
يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت. ولكل شيء مطيّة ومطيّة العاقل التواضع وكفى بك جهلا، أن تركب ما نُهيت عنهُ.
يا هشام لو كان في يدك جوزة وقال الناس (في يدك) لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة. ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: انّها جوزة ما ضرّك وأنت تعلم أنها لؤلؤة.
يا هشام ما بعث الله أنبياءه ورسله الى عباده إلاّ ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله. وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا. وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله.
يا هشام إنّ لله على الناس حجتين حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة. وأمّا الباطنة فالعقول.
ياهشام إنّ العاقل، الذي لا يشغل الحلال شكره ولا يغلب الحرام صبره.
يا هشام من سلّط ثلاثاً على ثلاث فكأ نّما أعانَ هواه على هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه. وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله. ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.
يا هشام كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك.
يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوّة العقل، فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها. ورغب فيما عند ربه وكان الله آنسه في الوحشة وصاحبه في الوحدة. وغناه في العيلة ومعزه في غير عشيرة.
يا هشام نصب الخلق لطاعة الله. ولا نجاة إلاّ بالطاعة. والطاعة بالعلم والعلم بالتعلم. والتعلم بالعقل يعتقد ولا علم إلاّ من عالم رباني ومعرفة العالم بالعقل.
يا هشام قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف. وكثير العمل من أهلِ الهوى والجهل مردود.
يا هشام إنّ العاقل رضي بالدّون من الدنيا مع الحكمة. ولم يرض بالدّون من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك. وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك.
يا هشام إنّ العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب. وترك الدنيامن الفضل وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام إنّ العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لانّهم علموا أنّ الدنيا طالبة ومطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتّى يستوفي منها رزقه. ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام من أراد الغنى بلا مال وراحة القلب من الحسد والسلامة في الدين فليتضرّع الى الله في مسألته بأن يُكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه ومن قنع بما يكفيه استغنى ومن لم يقنع بما يكفيه لم يُدرك الغنى أبداً.
يا هشام إنّ الله جلّ وعزّ حكى عن قوم صالحين، أنهم قالوا:﴿ رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ ﴾ حين علموا أنّ القلوب تزيغ وتعود الى عماها ورداها انّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يُبصرها ويجد حقيقتها في قلبه. ولا يكون أحدٌ كذلك إلاّ من كان قوله لفعله مصدِّقاً، وسرّه لعلانيته موافقاً، لانّ الله لم يدلّ على الباطن الخفي من العقل إلاّ بظاهر منه وناطق عنه.
يا هشام كان أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل وما تمّ عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتّى، الكفر والشر منه مأمونان. والرشد والخير منه مأمولان. وفضل ماله مبذول. وفضل قوله مكفوف. نصيبه من الدنيا القوت. ولا يشبع من العلم دهره. الذلّ أحب إليه مع الله من العزّ مع غيره. والتّواضع أحبّ إليه من الشرف. يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه. ويرى الناس كلهم خيراً منه وأنه شرّهم في نفسه وهو تمام الأمر.
يا هشام من صدق لسانه زكى عمله. ومن حسنت نيته زيد في رزقه. ومن حسن برّه باخوانه وأهله مدّ في عمره.
يا هشام لا تمنحوا الجهّال الحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
يا هشام كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا.
يا هشام لا دين لمن لا مروّة له. ولا مُرُوّة لمن لا عقل له. وأنّ أعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، أما إنّ أبدانكم ليس لها ثمن إلاّ الجنة، فلا تبيعوها بغيرها…
يا هشام انّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: ” لا يجلس في صدر المجلس إلاّ رجل فيه ثلاث خصال: يجيب اذا سئل وينطق اذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه شيء منهنّ فجلس فهو أحمق “.
وقال الحسن بن علي عليهما السلام: ” اذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها ” قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: ” الذين قصّ الله في كتابه وذكرهم، فقال:﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ ﴾. قال: هم أولوا العقول “.
وقال علي بن الحسين عليهما السلام: ” مجالسة الصالحين داعية الى الصلاح وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز واستثمار المال تمام المروة. وارشاد المستشير قضاء لحق النعمة. وكف الاذى من كمال العقل وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا “.
يا هشام انّ العاقل لا يحدّث من يخاف تكذيبه ولا يسأل من يخاف منعه. ولا يعد مالا يقدر عليه. ولا يرجو ما يعنّف برجائه ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام يوصي أصحابه يقول: ” أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمّن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم وليكن نظركم عبراً. وصمتكم فكراً. وقولكم ذكراً وطبيعتكم السخاء، فإنه لايدخل الجنة بخيل ولايدخل النار سخي “.
يا هشام رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أنّ الجنة محفوفة بالمكاره. والنار محفوفة بالشهوات.
يا هشام من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة. ومن كف غضبه عن الناس كفّ الله عنه غضبه يوم القيامة.
يا هشام انّ العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه.
يا هشام وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: انّ أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله. ومن تولّى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن أحدث حدثا،أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلا.
يا هشام أفضل ما يتقرب به العبد الى الله بعد المعرفة به الصلاة، وبرّ الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر.
يا هشام أصلح أيّامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو وأعدّ له الجواب، فانك موقوف ومسؤول. وخذ موعظتك من الدهر وأهله، فانّ الدهر طويلة قصيرة فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك. واعقل عن الله وانظر في تصرف الدّهر وأحواله، فانّ ما هو آت من الدنيا، كما ولّى منها، فاعتبر بها.
وقال علي بن الحسين عليهما السلام: ” انّ جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها بحرها وبرّها وسهلها وجبلها عند وليّ من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ثم قال عليه السلام: أَوَلا حرّ يدع ( هذه ) اللمّاظة لاهلها يعني الدنيا فليس لانفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها بغيرها، فإنّه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس “.
يا هشام انّ كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلاّ من يعرف مجاريها ومنازلها. وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلاّ من عمل بها.
يا هشام انّ المسيح عليه السلام قال للحواريين: ” يا عبيد السوء يهولكم طول النّخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها.كذلك تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون اليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء نقّوا القمح وطيّبوه وأدقّوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الايمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبّه.
التوحيد وأُسس التدبير الإلهي:
۱ عن محمد بن أبي عمير، قال: دخلت على سيدي موسى ابن جعفر عليهما السلام ، فقلت له: يا ابن رسول الله علّمني التوحيد فقال: “يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك.
واعلم أن الله تعالى واحد، أحدٌ ،صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وانه الحي الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل. والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وانه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ﴾ وهو الأوّل الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً”.
۲ عن زكريا بن عمران، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال: “لا يكون شيء في السماوات ولا في الأرض إلاّ بسبع: بقضاء وقدر وارادة ومشيئة وكتاب وأجل وإذن، فمن زعم غير هذافقد كذب على الله أو ردّ على الله عزّ وجلّ”.
۳ عن محمد بن حكيم قال: كتب أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام الى أبي: “أن الله أعلا وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته. فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عما سوى ذلك”.
۴ وقال عليه السلام: “إنّ الله تعالى لا يشبهه شيء، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد وأعضاء، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
من سيرة الرّسول صلى الله عليه وآله وسلم وتاريخ حياته:
۱ روى ابن طاووس في كتاب الطرف نقلاً من كتاب الوصية للشيخ عيسى بن المستفاد الضرير عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: “لمّا حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دعا الأنصار وقال: يا معشر الأنصار! قد حان الفراق، وقد دعيت وأنا مجيب الداعي، وقد جاورتم فأحسنتم الجوار، ونصرتم فأحسنتم النصرة، وواسيتم في الأموال، ووسعتم في المسلمين، وبذلتم لله مهج النفوس والله يجزيكم بما فعلتم الجزاء الأوفى، وقد بقيت واحدة وهي تمام الأمر وخاتمة العمل العمل معها مقرون إني أرى أن لا أفترق بينهما جميعاً لو قيس بينهما بشعرة ما انقاست، من أتى بواحدة وترك الاُخرى كان جاحداً للاُولى ولا يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا قالوا: يا رسول الله فأين لنا بمعرفتها، فلا تمسك عنها فنضل ونرتد عن الإسلام، والنعمة من الله ومن رسوله علينا، فقد أنقذنا الله بك من الهلكة يا رسول الله، وقد بلّغت ونصحت وأديت وكنت بنا رؤوفاً رحيماً شفيقاً.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” كتاب الله وأهل بيتي فإن الكتاب هو القرآن وفيه الحجّة والنور والبرهان، كلام الله جديد غض طري شاهد ومحكم عادل ولنا قائد بحلاله وحرامه وأحكامه يقوم غداً فيحاج أقواماً فيزل الله به أقدامهم عن الصراط، واحفظوني معاشر الأنصار في أهل بيتي، فإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، ألا وان الإسلام سقف تحته دعامة، لا يقوم السقف إلاّ بها.
فلو أن أحدكم أتى بذلك السقف ممدوداً لا دعامة تحته فأوشك أن يخرّ عليه سقفه فيهوي في النار، أيها الناس! الدعامة: دعامة الإسلام ، وذلك قوله تعالى:( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) فالعمل الصالح طاعة الإمام وليّ الأمر والتمسّك بحبله ، أيّها الناس! أفهمتم ؟ الله الله في أهل بيتي! مصابيح الظلم، ومعادن العلم، وينابيع الحكم ، ومستقر الملائكة.
منهم وصيّي وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى ألا هل بلغت معاشر الأنصار؟ ألا فاسمعوا ومن حضر، ألا إنّ فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله.
قال عيسى: فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلا، وقطع بقية كلامه، وقال: هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله…
ثم قال عليه السلام: أخبرني أبي، عن جدي محمد بن علي قال: قد جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المهاجرين فقال لهم: ” أيها الناس إني قد دعيت، وإني مجيب دعوة الداعي، قد اشتقت الى لقاء ربي واللحوق باخواني من الأنبياء وإني أعلمكم أني قد أوصيت الى وصيي، ولم أهملكم إهمال البهائم، ولم أترك من أموركم شيئاً ” فقام إليه عمر بن الخطاب فقال: يارسول الله! أوصيت بماأوصى به الأنبياء من قبلك؟ قال: نعم، فقال له: فبأمر من الله أوصيت أم بأمرك؟!
قال له: “اجلس يا عمر، أوصيت بأمر الله ،وأمره طاعته، وأوصيت بأمري وأمري طاعة الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن عصى وصيّي فقد عصاني، ومن أطاع وصيّي فقد أطاعني، ومن أطاعني فقد أطاع الله لا ما تريد أنت وصاحبك” ثم التفت الى الناس وهو مغضب فقال: “أيها الناس! اسمعوا وصيّتي، من آمن بي وصدّقني بالنبوة وأني رسول الله فأوصيه بولاية علي بن أبي طالب وطاعته والتصديق له. فإن ولايته ولايتي، وولاية ربّي، قد أبلغتكم فليبلغ الشاهد الغائب إن علي بن أبي طالب هو العلم، فمن قصّر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم الى النار، ومن تأخّر عن العلم يميناً هلك، ومن أخذ يساراً غوى وما توفيقي إلاّ بالله، فهل سمعتم ؟ ” قالوا: نعم.
۲ وعن الإمام الكاظم عليه السلام أنه قال: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام حين دفع إليه الوصية: اتخذ لها جواباً غداً بين يدي الله تبارك وتعالى ربّ العرش. فاني محاجّك يوم القيامة بكتاب الله حلاله وحرامه، ومحكمه ومتشابهه على ما أنزل الله، وعلى ما أمرتك، وعلى فرائض الله كما أنزلت وعلى الاحكام من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجتنابه، مع اقامة حدودالله وشروطه، والاُمور كلها ، واقام الصلاة لوقتها، وايتاء الزكاة لأهلها، وحجّ البيت، والجهاد في سبيل الله، فما أنت قائل يا علي ؟ فقال علي عليه السلام: بأبي أنت وأمي أرجو بكرامة الله لك ومنزلتك عنده ونعمته عليك أن يعينني ربّي، ويثبتني فلا ألقاك بين يدي الله مقصراً ولا متوانياً ولا مفرطاً، ولا أمعز وجهك وقاه وجهي ووجوه آبائي وأمهاتي بل تجدني بأبي أنت وأمي مستمراً متّبعاً لوصيتك ومنهاجك وطريقك مادمت حياً حتى أقدم بها عليك، ثم الأول فالأول من ولدي لا مقصرين ولا مفرطين.
قال علي عليه السلام: ثم انكببت على وجهه وعلى صدره وأنا أقول: واوحشتاه بعدك، بأبي أنت وأمي، ووحشة ابنتك وبنيك بل واطول غمّي بعدك يا أخي، انقطعت من منزلي أخبار السماء، وفقدت بعدك جبرئيل وميكائيل، فلا أحسّ أثراً ولا أسمع حسّاً، فأغمي عليه طويلا ثم أفاق صلى الله عليه وآله وسلم.
قال أبو الحسن عليه السلام فقلت لأبي: فما كان بعد افاقته ؟ قال: دخل عليه النساء يبكين وارتفعت الأصوات وضجّ الناس بالباب من المهاجرين والأنصار، فبيناهم كذلك اذ نودي: أين علي؟ فأقبل حتى دخل عليه، قال علي عليه السلام: فانكببت عليه فقال: يا أخي افهم فهمك الله وسدّدك وأرشدك ووفقك وأعانك وغفر ذنبك ورفع ذكرك.
اعلم يا أخي أنّ القوم سيشغلهم عنّي ما يشغلهم، فإنّما مثلك في الاُمة مثل الكعبة، نصبها الله للناس علماً، وإنما تؤتى من كلّ فجّ عميق، ونأي سحيق ولا تأتي، وإنما أنت علم الهدى، ونور الدين، وهو نور الله يا أخي، والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد بعد أن أخبرتهم رجلا رجلا ما افترض الله عليهم من حقّك، وألزمهم من طاعتك ، وكلّ أجاب وسلم إليك الأمر، وإنّي لأعلم خلاف قولهم.
فإذا قبضت وفرغت من جميع ما أوصيك به وغيبتني في قبري فالزم بيتك، واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله ثم امضِ على غير لائمة على ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم عليّ”.
۳ قال عيسى الضرير:… فسألت موسى(يعني الكاظم عليه السلام)وقلت: إنّ الناس قد أكثروا في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم عمر، فأطرق عني طويلا، ثم قال: “ليس كما ذكروا، ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الاُمور، ولا ترضى عنها إلاّ بكشفها، فقلت: بأبي أنت وأمي إنما أسأل عما أنتفع به في ديني وأتفقّه مخافة أن أضل، وأنا لا أدري، ولكن متى أجد مثلك يكشفها لي.
فقال عليه السلام: إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا ثقل في مرضه دعا علياً فوضع رأسه في حجره، وأُغمي عليه وحضرت الصلاة فأوذن بها، فخرجت عائشة، فقالت: يا عمر اخرج فصلّ بالناس فقال: أبوك أولى بها، فقالت: صدقت، ولكنه رجل ليّن، وأكره أن يواثبه القوم فصلّ أنت.
فقال لها عمر: بل يصلي هو وأنا أكفيه إن وثب واثب أو تحرك متحرك، مع أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم مغمى عليه لا أراه يفيق منها، والرجل مشغول به لايقدر أن يفارقه، يريد علياً عليه السلام فبادره بالصلاة قبل أن يفيق، فإنه إن أفاق خفت أن يأمر علياً بالصلاة، فقد سمعت مناجاته منذ الليلة، وفي آخر كلامه: الصلاة الصلاة قال: فخرج أبو بكر ليصلي بالناس فأنكرالقوم ذلك.
ثم ظنوا أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكبّر حتى أفاق صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ادعوالي العباس، فدعي فحمله هو وعلي، فأخرجاه حتى صلّى بالناس، وانه لقاعد، ثم حمل فوضع على منبره، فلم يجلس بعد ذلك على المنبر، واجتمع له جميع أهل المدينة من المهاجرين والانصار حتى برزت العواتق من خدورهنّ، فبين باك وصائح وصارخ ومسترجع والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب ساعة، ويسكت ساعة، وكان مما ذكر في خطبته أن قال:
يا معشر المهاجرين والأنصار ومن حضرني في يومي هذا وفي ساعتي هذه من الجن والإنس فليبلغ شاهدكم الغائب، ألا قد خلّفت فيكم كتاب الله، فيه النور والهدى والبيان، ما فرّط الله فيه من شيء، حجة الله لى عليكم، وخلّفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى وصيي علي بن أبي طالب، ألا هو حبل الله فاعتصموا به جميعاً ولا تفرّقوا عنه، واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فاصبحتم بنعمته اخواناً.
أيها الناس هذا علي بن أبي طالب كنز الله اليوم وما بعد اليوم، من أحبه وتولاه اليوم وما بعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، وأدى ما وجب عليه، ومن عاداه اليوم وما بعد اليوم جاء يوم القيامة أعمى وأصم، لا حجة له عند الله، أيّها الناس لا تأتوني غداً بالدنيا تزفونها زفاً،ويأتي أهل بيتي شعثاً غبراً مقهورين مظلومين، تسيل دماؤهم أمامكم وبيعات الضلالة والشورى للجهالة.
ألا وإن هذا الأمر له أصحاب وآيات قد سمّاهم الله في كتابه، وعرّفتكم وبلّغتكم ما أُرسلت به إليكم ولكني أراكم قوماً تجهلون، لاترجعنّ بعدي كفاراً مرتدين متأولين للكتاب على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالهوى، لأن كلّ سنّة وحدث وكلام خالف القرآن فهو ردّ وباطل.
القرآن إمام هدى، وله قائد يهدي إليه ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وليّ الأمر بعدي وليه، ووارث علمي وحكمتي وسري وعلانيتي، وما ورثه النبيّيون من قبلي، وأنا وارث ومورّث فلا تكذبنكم أنفسكم، أيها الناس! الله الله في أهل بيتي، فإنهم أركان الدين، ومصابيح الظلم، ومعدن العلم ، عليّ أخي ووارثي، ووزيري وأميني والقائم بأمري والموفي بعهدي على سنتي.
أول الناس بي ايماناً، وآخرهم عهداً عند الموت، وأوسطهم لي لقاء يوم القيامة، فليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا ومن أمّ قوماً امامة عمياء وفي الاُمّة من هو أعلم منه فقد كفر، أيّها الناس ومن كانت له قبلي تبعة فها أنا، ومن كانت له عدة فليأت فيها علي ابن أبي طالب، فانه ضامن لذلك كله حتى لا يبقى لاحد عليّ تباعة”.
الإمامة والأئمة:
۱ عن داود الرقي، عن العبد الصالح عليه السلام قال: “إنّ الحجة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بإمام حيّ يُعرف”.
۲ عن أبي علي بن راشد، قال: قال أبو الحسن عليه السلام: “إنّ الأرض لا تخلو من حجّة وأنا والله ذلك الحجّة”.
۳ عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: قال لي: “نحن في العلم والشجاعة سواء وفي العطايا على قدر ما نؤمر “.
۴ عن هارون بن خارجة، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: “نحن المثاني التي اُريها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن وجه الله نتقلب بين أظهركم، فمن عرفنا عرفنا ومن لم يعرفنا فأمامه اليقين”.
۵ عن أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى:﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ قال: “نحن المحسودون”.
۶ عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله:﴿ وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ قال: “هم الأوصياء”.
۷ عن سيف بن عميرة، قال: سمعت العبد الصالح أبا الحسن عليه السلام ينعى الى رجل نفسه فقلت في نفسي وانه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته فقال شبه المغضب: “يا اسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا فالإمام أولى بذلك”.
۸ عن معاوية عن اسحاق قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام ودخل عليه رجل فقال له أبو الحسن عليه السلام: “يا فلان انك تموت الى شهر قال: فاضمرت في نفسي كانه يعلم آجال شيعته فقال عليه السلام: يا اسحاق وما تنكرون من ذلك وقد كان رشيد الهجري مستضعفاً وكان يعلم علم المنايا والبلايا فالإمام أولى بذلك. ثم قال عليه السلام: يا اسحاق تموت الى سنتين ويشتّت أهلك وولدك وعيالك وأهل بيتك ويفلسون افلاساً شديداً”.
۹ عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام في قوله تعالى: (وبئر معطلة وقصر مشيد) قال: “البئر المعطلة الإمام الصامت والقصر المشيد الإمام الناطق”.
۱۰ حدثنا يعقوب بن جعفر، قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام بمكة فقال له رجل: انك لتفسر من كتاب الله ما لم نسمع به.
فقال أبو الحسن عليه السلام: “علينا نزل قبل الناس ولنا فسر قبل أن يفسّر في الناس فنحن نعرف حلاله وحرامه وناسخه ومنسوخه وسفريه وحضريه وفي أي ليلة نزلت كم من آية وفيمن نزلت وفيما نزلت فنحن حكماء الله في أرضه وشهداؤه على خلقه وهو قول الله تبارك وتعالى ستكتب شهادتهم ويسألون فالشهادة لنا والمسألة للمشهود عليه فهذا علم ما قد انهيته إليك وأديته إليك ما لزمني فإن قبلت فاشكر وإن تركت فإنّ الله على كل شيء شهيد “.
۱۱ عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام قال: “ولاية عليّ عليه السلام مكتوبة في جميع صحف الانبياء ولن يبعث الله رسولا إلاّ بنبوّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّة علي عليه السلام “.
۱۲ عن علي بن سويد السابي قال: كتب اليَّ أبو الحسن الأول عليه السلام في كتاب: “أن أوّل ما أنعى إليك نفسي في ليالي هذه غير جازع ولا نادم ولا شاك فيما هو كائن مما قضى الله وحتم فاستمسك بعروة الدين آل محمد صلوات الله عليه وعليهم والعروة الوثقى الوصي بعد الوصي والمسالمة والرضا بما قالوا”.
۱۳ عن سعيد بن (ابي) سعيد البلخي قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: ” إن لله عزّ وجلّ في وقت كل صلاة يصليها هذا الخلق لعنة قال: قلت: جعلت فداك ولم ذاك؟ قال لجحودهم حقنا وتكذيبهم إيانا “.
۱۴ عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الأول يعني موسى ابن جعفر عليهما السلام قال: “ماترك الله عزّ وجلّ الأرض بغير إمام قطّ منذ قبض آدم عليه السلام يهتدى به الى الله عز وجل وهو الحجّة على العباد من تركه ضلّ ومن لزمه نجا حقاً على الله عزّوجلّ”.
۱۵ حدثنا عبدالله بن قدامة الترمذي، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: “من شكّ في أربعة فقد كفر بجميع ما أنزل الله تبارك وتعالى أحدها: معرفة الإمام في كل زمان وأوان بشخصه ونعته.
۱۶ عن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن الأول عليه السلام ، قال: سمعته يقول: “من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، إمام حي يعرفه. فقلت: لم أسمع أباك يذكر هذا يعني إماماً حياً فقال: قد والله قال ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من مات وليس له إمام يسمع له ويطيع مات ميتة جاهلية”.
۱۷ عن داود الرقي، عن العبد الصالح عليه السلام ، قال: “إنّ الحجّة لا تقوم لله على خلقه إلاّ بامام حي يعرف”.
۱۸ عن محمد بن حكيم، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الإمام هل يسئل عن شيء من الحلال والحرام والذي يحتاج الناس ولا يكون فيه شيء، قال: “لا ولكن يكون عنده ولا يجيب ذاك إليه إن شاء أجاب وإن شاء لم يجب”.
۱۹ عن صفوان بن يحيى قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام يكون الإمام في حال يسئل عن الحلال والحرام والذي يحتاج الناس إليه فلا يكون عنده شيء، قال: “لا ولكن قد يكون عنده ولا يجيب”.
۲۰ عن علي السائي عن أبي الحسن الأول موسى عليه السلام ، قال: قال: “مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه: ماض وغابر وحادث فأمّا الماضي فمفسر، وأما الغابر فمزبور وأما الحادث فقذف في القلوب، ونقرٌ في الاسماع وهو أفضل علمنا ولا نبيّ بعد نبينا”.
۲۱ عن محمد بن علي بن خالد الجواز، قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام وهو في عرصة داره وهو يومئذ بالرملية فلما نظرت إليه قلت: بابي أنت وأمي يا سيدي مظلوم مغصوب مضطهد في نفسي ثم دنوت منه فقبّلت بين عينيه وجلست بين يديه فالتفت إليّ فقال: “يابن خالد نحن أعلم بهذا الأمر فلا تتصور هذا في نفسك”.
قال: قلت جعلت فداك والله ما أردت بهذا شيئاً، قال: فقال: “نحن أعلم بهذا الأمر من غيرنا لو أردنا اذن إلينا وأن لهؤلاء القوم مدّة وغاية لابدّ من الانتهاء إليها قال: فقلت لا أعود واصيّر في نفسي شيئاً أبداً قال: فقال: لا تعد أبداً”.
۲۲ عن محمد بن حكيم عن أبي الحسن عليه السلام قال: “انما هلك من كان قبلكم بالقياس إنّ الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيّه حتى أكمل له جميع دينه في حلاله وحرامه فجاءكم مما تحتاجون اليه في حياته وتستغيثون به وباهل بيته بعد موته وانها مصحف عند اهل بيته حتى ان فيه لارش خدش الكفّ ثم قال: ان ابا حنيفة لعنه الله ممن يقول: قال علي وانا قلت”.
۲۳ عن عبد الله بن جندب انه كتب اليه أبو الحسن عليه السلام: “إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وبحقيقة النفاق”.
۲۴ عن الحسين بن علي بن يقطين عن أبيه، قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن شيء من أمر العالم فقال: “نكت في القلب ونقر في الاسماع وقد يكونان معاً”.
الوصيّ بعد الإمام الكاظم عليه السلام:
۱ عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد، فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: “يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي. أما إني قد نحلته كنيتي”. فضرب هشام بن الحكم براحة جبهته، ثم قال: ويحك كيف قلت ؟ فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده.
۲ عن نعيم القابوسي عن أبي الحسن، أنه قال: “إنّ ابني علياً أكبر ولدي وأبرّهم عندي وأحبّهم اليَّ وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلاّ نبيّ أو وصيّ نبيّ”.
۳ عن داود الرقي، قال: قلت لأبي ابراهيم عليه السلام: جعلت فداك إني قد كبر سنّي فخذ بيدي من النار، قال: فأشار الى ابنه أبي الحسن عليه السلام فقال: “هذا صاحبكم من بعدي”.
۴ عن محمد بن اسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأوّل عليه السلام: ألا تدلّني الى من آخذ عنه ديني؟ فقال: “هذا ابني علي. إنّ أبي قد أخذني فأدخلني الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا بني إنّ الله عزّوجلّ، قال: ﴿اني جاعل في الارض خليفة﴾وان الله عزّ وجلّ إذا قال قولا وفي به”.
۵ عن دواد الرقي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إني قد كبرت سني ودقّ عظمي واني سألت أباك عليه السلام فأخبرني بك، فأخبرني من بعدك ؟ فقال: “هذا أبو الحسن الرضا”.
۶ عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال: دخلت على أبي إبراهيم وعنده ابنه أبو الحسن عليه السلام فقال لي: “يا زياد هذ ابني فلان، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله”.
۷ عن محمد بن الفضيل قال: حدثني المخزومي وكانت اُمه من ولد جعفر بن أبي طالب عليه السلام قال: “بعث الينا أبو الحسن موسى عليه السلام فجمعنا، ثم قال لنا: أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا: لا ، فقال: اشهدوا أنّ ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا، ومن كانت له عندي عدة فليتنّي فلينجزها منه ومن لم يكن له بدّ من لقائي فلا يلقني إلاّ بكتابه”.
۸ عن الحسين بن المختار، قال: خرج إلينا من أبي الحسن عليه السلام بالبصرة ألواح مكتوب فيها بالعرض: “عهدي الى أكبر ولدي، يعطي فلان كذا، وفلان كذا، وفلان كذا، وفلان لا يعطي حتى أجىء أو يقضي الله عز وجلّ عليّ الموت، إنّ الله يفعل ما يشاء”.
۹ عن داود بن زربي، قال: جئت الى أبي ابراهيم عليه السلام بمال، فأخذ بعضه وترك بعضه، فقلت: أصلحك الله لاي شيء تركته عندي ؟ قال: “إنّ صاحب هذا الأمر يطلبه منك”.
فلما جاءنا نعيه بعث اليّ أبو الحسن عليه السلام ابنه، فسألني ذلك، فدفعته إليه.
۱۰ عن سليمان بن حفص المروزي قال: دخلت على أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن الحجة على الناس بعده، فلمّا نظر إليّ ابتدأني وقال: “يا سليمان إنّ عليّاً ابني ووصيي والحجة على الناس بعدي، وهذا أفضل ولدي فإن بقيت بعدي فاشهد له بذلك عند شيعتي وأهل ولايتي المستخبرين عن خليفتي من بعدي”.
الإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرجه:
۱ عن علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر بن محمّد عليهم السلام ، قال: “لا يكون القائم إلاّ إمام ابن إمام ووصي ابن وصي”.
۲ عن محمد بن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام ، قال: “إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها يا بني انه لابد لصاحب هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عن هذا الأمر من كان يقول به انما هي محنة من الله عزّ وجلّ امتحن بها خلقه ولو علم آباؤكم واجدادكم ديناً أصح من هذا لاتبعوه. فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ قال: يا بني عقولكم تصغر عن هذا وأحلامكم تضيق عن حمله ولكن إن تعيشوا فسوف تدركوه.
۳ عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله وأبي الحسن عليهما السلام ، قالا: “لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله، يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورّث الاخ أخاه في الاظلة”.
۴ عن العباس بن عامر القصباني، قال: سمعت أبا الحسن موسى ابن جعفر عليهما السلام يقول: “صاحب هذا الأمر، من يقول الناس لم يولد بعد”.
۵ عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال: قلت: ما تأويل قول الله عزّ وجلّ ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ ﴾فقال: “إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون”.
۶ عن داود بن كثير الرقي قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن صاحب هذا الأمر قال: “هو الطريد الوحيد الغريب الغائب عن أهله، الموتور بأبيه” عليه السلام.
۷ عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله أنت القائم بالحق؟ فقال: “أنا القائم بالحق ولكن القائم الذي يطهّر الارض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملأها عدلا كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً على نفسه، يرتد فيها أقوام ويثبت فيها آخرون. ثم قال عليه السلام: طوبى لشيعتنا، المتمسكين بحبلنا في غيبة قائمنا، الثابتين على مولاتنا والبراءة من أعدائنا، أولئك منّا ونحن منهم، قد رضوا بنا أئمة، ورضينا بهم شيعة، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، وهم والله معنا في درجاتنا يوم القيامة”.
۸ عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي، قال: سألت سيدي موسى ابن جعفر عليهما السلام عن قول الله عزّ وجلّ:﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾فقال عليه السلام: “النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، الباطنة الإمام الغائب، فقلت له: ويكون في الأئمة من يغيب ؟ قال: نعم يغيب عن أبصار الناس شخصه، ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منّا، يسهّل الله له كلّ عسير، ويذلل له كلّ صعب، ويظهر له كنوز الارض، ويقرّب له كلّ بعيد، ويبير به كل جبّار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد، ذلك ابن سيدة الاماء الذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتى يظهره الله عزّ وجلّ فيملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلما”.
صحابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام
عن أسباط بن سالم، قال: قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: “إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين حواري محمد بن عبدالله رسول الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.
ثم ينادي مناد: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد بن عبدالله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني.
قال: ثم ينادي المنادي: أين حواري الحسن بن علي عليه السلام ابن فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول الله؟ فيقوم سفيان بن أبي ليلي الهمداني وحذيفة بن اسيد الغفاري. قال: ثم ينادي المنادي أين حواري الحسين بن علي عليهما السلام ؟ فيقوم كل من استشهد معه ولم يتخلف عنه.
قال: ثم ينادي المنادي أين حواري علي بن الحسين عليهما السلام ؟ فيقوم جبير بن مطعم ويحيى ابن اُم الطويل وأبو خالد الكابلي وسعيد بن المسيب.
ثم ينادي المنادي أين حواري محمد ابن علي وحواري جعفر بن محمد ؟ فيقوم عبدالله بن شريك العامري وزرارة بن أعين وبريد ابن معاوية العجلي ومحمد بن مسلم وابو بصير ليث بن البختري المرادي وعبد الله بن أبي يعفور وعامر بن عبدالله بن جذاعة وحجر بن زائدة وحمران بن أعين.
ثم ينادي: أين سائر الشيعة مع سائر الأئمة عليهم السلام يوم القيامة فهؤلاء المتحورة أول السابقين وأول المقربين وأول المتحورين من التابعين”.
الإيمان والكفر والشّكّ
۱ عن حماد بن عمرو النصيبي، قال: سأل رجل العالم عليه السلام فقال: أيها العالم أخبرني أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: “مالا يقبل عمل إلاّ به، فقال: وما ذلك؟ قال: الإيمان بالله، الذي هو أعلى الأعمال درجة وأسناها حظاً وأشرفها منزلة، قلت: أخبرني عن الإيمان أقولٌ وعمل أَمْ قولٌ بلا عمل؟ قال: الإيمان عمل كله، والقول بعض ذلك العمل بفرض من الله بيّنة في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد به الكتاب ويدعو إليه، قلت: صف لي ذلك حتى أفهمه.
فقال: إنّ الايمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص المنتهي نقصانه ومنه الزائد الراجح زيادته، قلت: وإن الإيمان ليتم ويزيد وينقص؟ قال: نعم، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح بني آدم وقسّمه عليها وفرّقه عليها فليس من جوارحهم جارحة إلاّ وهي موكّلة من الإيمان بغير ما وكّلت به أختها.
فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا تورد الجوارح ولا تصدر الاّ عن رأيه وأمره، ومنها يداه اللتان يبطش بهما ورجلاه اللتان يمشي بهما وفرجه الذي الباه من قبله ولسانه الذي ينطق به الكتاب ويشهد به عليها; وعيناه اللتان يبصر بهما; وأذناه اللتان يسمع بهما وفرض على القلب غير ما فرض على اللسان وفرض على اللسان غير ما فرض على العينين وفرض على العينين غير ما فرض على السمع.
وفرض على السمع غير ما فرض على اليدين وفرض على اليدين غير ما فرض على الرجلين وفرض على الرجلين غير ما فرض على الفرج وفرض على الفرج غير ما فرض على الوجه، فأمّا ما فرض على القلب من الإيمان فالاقرار والمعرفة والتصديق والتسليم والعقد والرضا بأن لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له، أحداً، صمداً، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً وأن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم عبده ورسوله.
۲ عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما من شيء أحب الى الله تعالى من الإيمان به، والعمل الصالح، وترك ما أمر به أن يتركه”.
۳ عن الفضيل، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أي شيء أفضل ما يتقرب به العباد الى الله فيما افترض عليهم؟ فقال: “أفضل ما يتقرب به العباد الى الله طاعة الله وطاعة رسوله، وحب الله وحب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر، وكان أبو جعفر عليه السلام يقول: حبّنا إيمان وبغضنا كفر”.
۴ إبراهيم بن أبي بكر قال: سمعت أبا الحسن موسى عليه السلام يقول: “إنّ علياً عليه السلام بابٌ من أبواب الهدى، فمن دخل من باب علي كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً ومن لم يدخل فيه ولم يخرج منه كان في الطبقة الذين لله فيهم المشيئة”.
۵ عن بكر بن موسى الواسطي، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن الكفر والشرك أيهما أقدم؟ فقال: “ما عهدي بك تخاصم الناس، قلت: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك عن ذلك فقال لي: الكفر أقدم وهو الجحود قال لابليس: (أبى واستكبر وكان من الكافرين)”.
۶ عن الحسين بن الحكم، قال: “كتبت الى العبد الصالح عليه السلام أخبره أني شاك وقد قال إبراهيم عليه السلام: (رب أرني كيف تحيي الموتى) واني أحب أن تريني شيئاً، فكتب عليه السلام: إن إبراهيم كان مؤمناً وأحب أن يزداد إيماناً وأنت شاك والشاك لا خير فيه، وكتب: انما الشك ما لم يأت اليقين فإذا جاء اليقين لم يجز الشك، وكتب: انّ الله عزّ وجلّ يقول:﴿ وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾، قال: نزلت في الشاك”.
۷ عن محمد بن سنان، عن أبي خديجة، قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال لي: “إنّ الله تبارك وتعالى أيّد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يُحسن فيه ويتقي، وتغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي. فهي معه تهتز سروراً عند احسانه وتسيخ في الثرى عند اساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه باصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً، رحم الله امرئً همّ بخير فعمله أو همّ بشر فارتدع عنه، ثمّ قال: نحن نؤيّد الروح بالطاعة لله والعمل له”.
الذنــوب
۱ عن أبي الحسن عليه السلام قال: “حق على الله أن لا يعصى في دار إلاّ أضحاها للشمس حتى تطهرها”.
۲ عن ابن عرفة عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: “إنّ لله عزّ وجلّ في كل يوم وليلة منادياً ينادي مهلا مهلا عباد الله عن معاصي الله، فلولا بهائم رتع ، وصبيةٌ رضع، وشيوخ ركّع، لصبّ عليكم العذاب صباً، ترضّون به رضّاً”.
۳ عن ابن محبوب، قال: كتب معي بعض أصحابنا الى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: “من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفّر عنه سيئاته اذا كان مؤمناً والسبع الموجبات قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة ، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف”.
۴ عن محمد بن حكيم، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: الكبائر تخرج من الايمان؟ فقال: “نعم وما دون الكبائر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن”.
۵ عن سماعة، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: “لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب، فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يكون كثيراً وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف”.
۶ عن علي بن جعفر، عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام ، قال: “حرّمت الجنة على ثلاثة النمام، ومدمن الخمر، والديوث وهو الفاجر”.
حفظ اللسان
۱ عن عثمان بن عيسى، عن أبي الحسن صلوات الله عليه، قال: “إن كان في يدك هذه شيء فإن استطعت أن لا تعلم هذه فافعل; قال: وكان عنده إنسان فتذاكروا الإذاعة، فقال: احفظ لسانك تعزّ، ولا تمكّن الناس من قياد رقبتك فتذّل”.
وقال: حضرتُ أبا الحسن صلوات الله عليه وقال له رجل: أوصني فقال له: “احفظ لسانك تعزّ ولا تمكّن الناس من قيادك فتذلّ رقبتك”.
۲ عن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:” رحم الله عبداً قال خيراً فغنم، أو سكت عن سوء فسلم”.
۳ وعنه: بهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “الرجل الصالح يجيء بخبر صالح، والرجل السوء يجيء بخبر سوء”.
۴ عن أبان، عن يحيى الأزرق، قال: قال لي أبو الحسن صلوات الله عليه: “من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه ممّا عرفه الناس لم يغتبه، ومن ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه ومن ذكره بما ليس فيه فقد بهته”.
۵ قال عبد المؤمن الأنصاري: دخلت على موسى بن جعفر عليهما السلام وعنده محمد بن عبد الله الجعفري، فتبسّمت إليه فقال: “أتحبه؟ فقلت: نعم، وما أحببته الاّ لكم، فقال عليه السلام: هو أخوك والمؤمن أخو المؤمن لاُمّه ولأبيه، وان لم يلده أبوه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من غش أخاه، ملعون من لم ينصح أخاه، ملعون من اغتاب أخاه، وقال الصادق عليه السلام: ايّاك والغيبة فإنّها إدام كلاب النار”.
۶ عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبي الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “اركبوا وارموا وإن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا، ثم قال: كل أمر للمؤمن باطل إلاّ في ثلاث في تأديبه الفرس ورميه عن قوسه وملاعبته امرأته، فانهن حق إنّ الله ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة: عامل الخشب والمقوي به في سبيل الله والرامي به في سبيل الله”.
الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر
۱ عن محمد بن عمر بن عرفة، قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: “لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم”.
۲ عن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلاّ من كان فيه ثلاث خصال، رفيق بما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، عدل فيما يأمر به، عدل فيما ينهى عنه، عالم بما يأمر به، عالم بما ينهى عنه”.
۳ عنه ، بهذا الإسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من يشفع شفاعة حسنة أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دلّ على خير أو أشار به فهو شريك، ومن أمر بسوء أو دلّ عليه أو أشار به فهو شريك”.
الشّهيد والمجاهد في سبيل الله
۱ عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ فوق كلّ بر برّاً حتى يقتل الرجل شهيداً في سبيل الله، وفوق كلّ عقوق عقوقاً حتى يقتل الرجل أحد والديه”.
۲ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “خيول الغزاة في الدنيا هي خيولهم في الجنة”.
۳ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “حملة القرآن عرفاء أهل الجنة، والمجاهدون في الله تعالى قوّاد أهل الجنة، والرسل سادات أهل الجنة”.
۴ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “دعا موسى وأمّن هارون وأمّنت الملائكة فقال الله سبحانه استقيما فقد أجيبت دعوتكما، ومن غزا في سبيلي استجبت له الى يوم القيامة”.
۵ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “كلّ نعيم مسؤول عنه يوم القيامة إلاّ ما كان في سبيل الله تعالى”.
۶ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنّ أبخل الناس من بخل بالسّلام، وأجود الناس من جاد بنفسه وماله في سبيل الله”.
۷ وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أوصي أمّتي بخمس: بالسمع والطاعة والهجرة والجهاد والجماعة، ومن دعا بدعاء الجاهليّة فله حثوة من حثي جهنّم”.
الغنائم
۱ عن أبي الحسن عليه السلام قال: “يؤخذ الخمس من الغنائم فيجعل لمن جعله الله عز وجل ويقسّم أربعة أخماس بين من قاتل عليه وولي ذلك، قال: وللإمام صفو المال أن يأخذ الجارية الفارهة والدابّة الفارهة والثوب والمتاع ممّا يحب ويشتهي فذلك له قبل قسمة المال وقبل اخراج الخمس، قال: وليس لمن قاتل شيء من الأرضين ولا ما غلبوا عليه الاّ ما احتوى عليه العسكر وليس للأعراب من الغنيمة شيء وإن قاتلوا مع الإمام لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صالح الأعراب أن يدعهم في ديارهم ولا يهاجروا على أنه إن دهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عدوّه دهم أن يستفزّهم فيقاتل بهم وليس لهم في الغنيمة نصيب وسنّة جارية فيهم وفي غيرهم والأرض التي أخذت عنوة بخيل أو ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها ويحييها ويقوم عليها على ما يصالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق النصف والثلث والثلثين، على قدر ما يكون لهم صالحاً ولا يضرهم”.
العمل والمعيشة:
۱ عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، قال: “رأيت أبا الحسن عليه السلام يعمل في أرض له قد استنقعت قدماه في العرق، فقلت له: جعلت فداك أين الرجال؟ فقال: يا علي قد عمل باليد من هو خير منّي في أرضه ومن أبي، فقلت له: ومن هو؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وآبائي عليهم السلام كلّهم كانوا قد عملوا بأيديهم وهو من عمل النبيّين والمرسلين والأوصياء والصالحين”.
۲ عن موسى بن بكر، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام: “من طلب هذا الرزق من حلّه ليعود به على عياله ونفسه كان كالمجاهد في سبيل الله عز وجل، فإن غلب عليه ذلك، فليستدن على الله عزّ وجلّ وعلى رسوله ما يقوت به عياله.
فإن مات ولم يقضه كان على الإمام قضاؤه، فإن لم يقضه كان عليه وزره إنّ الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ ﴾ فهو فقير مسكين مغرم”.
۳ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافاً وقوله سداداً”.
۴ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “اللهمّ ارزق محمداً وآل محمد ومن أحبّ محمداً وآل محمد العفاف والكفاف، وارزق من أبغض محمداً وآل محمد كثرة المال والولد”.
۵ عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “أربع من سعادة المرء: الخلطاء الصالحون، والولد البارّ، والمرأة المؤاتية، وأن تكون معيشته في بلده”.
۶ قال الكاظم عليه السلام: “من ولده الفقر أبطره الغنا”.
۷ قال رجل لأبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: عدني قال: كيف اعدك؟ وأنا لما لا أرجوا أجى مني لما أرجو”.
۸ عن يحيى الحذّاء، قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: ربّما اشتريت الشيء بحضرة أبي فأرى منه ما أغتمّ به فقال: “تنكّبه ولا تشتر بحضرته فإذا كان لك على رجل حقّ فقل له: فليكتب وكتب فلان بن فلان بخطّه وأشهد الله على نفسه وكفى بالله شهيداً فإنه يقضي في حياته أو بعد وفاته.
الدّعاء والزّيارة:
۱ عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: “عليكم بالدعاء; فإن الدعاء والطلب الى الله عز وجل يردّ البلاء وقد قدر وقضى فلم يبق إلاّ إمضاؤه، فإنه إذا دعا الله وسأله صرف البلاء صرفاً.
۲ وقال: “لكل داء دواء فسئل عن ذلك؟ فقال: لكل داء دعاء، فإذا اُلهم المريض الدعاء فقد أذن الله في شفائه. وقال: أفضل الدعاء الصلاة على محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم صلى الله عليهم ثم الدعاء للاخوان ثم الدعاء لنفسك فيما أحببت، وأقرب ما يكون العبد من الله سبحانه إذا سجد”.
وقال: الدعاء أفضل من قراءة القرآن; لانّ الله عز وجل يقول:﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾ وإنّ الله عز وجل ليؤخر إجابة المؤمن شوقاً الى دعائه ويقول: صوت أحب أن اسمعه، ويعجّل إجابة المنافق ويقول: صوت أكره سماعه.
۳ عمر بن يزيد، عن أبي ابراهيم عليه السلام ، قال: سمعته يقول: “إنّ الدعاء يردّ ما قدر وما لم يقدّر قال: قلت: جعلت فداك هذا ما قدّر قد عرفناه أفرأيت ما لم يقدّر؟ قال: حتى لا يقدّر.
۴ قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام: “أدنى ما يثاب به زائر أبي عبدالله عليه السلام بشطّ الفرات إذا عرف حقّه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر”.
۵ عن الحسن بن الجهم قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: ما تقول في زيارة قبر الحسين عليه السلام ؟ فقال لي: “ما تقول أنت فيه؟ فقلت: بعضنا يقول: حجّة وبعضنا يقول: عمرة، فقال: هي عمرة مبرورة (مقبولة)”.
۶ روى أحمد بن جعفر البلدي عن محمد بن يزيد البكري، عن منصور بن نصر المدائني، عن عبدالرحمن بن مسلم، قال: دخلت على الكاظم عليه السلام فقلت له: أيّما أفضل زيارة الحسين بن علي أو أمير المؤمنين عليهما السلام أو لفلان وفلان وسميت الأئمة واحداً واحداً فقال لي:
“يا عبدالرحمن من زار أولنا فقد زار آخرنا، ومن زار آخرنا فقد زار أولنا، ومن تولّى أولنا فقد تولّى آخرنا، ومن تولّى آخرنا فقد تولّى أولنا ومن قضى حاجة لأحد من أوليائنا فكأنّما قضاها لأجمعنا.
يا عبدالرحمن احببنا واحبب من يحبّنا واحبّ فينا واحبب لنا وتولنا وتولّ من يتولانا وابغض من يبغضنا ألا وإنّ الرادّ علينا كالراد على رسول الله جدّنا ومن ردّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد ردّ على الله ألا يا عبد الرحمن ومن أبغضنا فقد ابغض محمداً ومن أبغض محمداً فقد أبغض الله ومن أبغض الله عزّ وجلّ وكان حقاً على الله ان يصليه النار وماله من نصير”.
۷ عن عمرو بن عثمان الرازي، قال: سمعت أبا الحسن الاول عليه السلام يقول: “من لم يقدره أن يزورنا فليزر صالحي موالينا يكتب له ثواب زيارتناومن لم يقدر على صلتنا فليصل صالحي موالينا يكتب له ثواب صلتنا.
۸ عن اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: قلت له: المؤمن يعلم بمن يزور قبره، قال: “نعم ولا يزال مستأنساً به ما زال عنده فإذا قام وانصرف من قبره دخله من انصرافه عن قبره وحشة”.
۹ عن علي بن عثمان الرازي، قال: سمعت أبا الحسن الاول عليه السلام يقول: “من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالح اخوانه يكتب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليصل صالح اخوانه يكتب له ثواب صلتنا.
من مواعظ وحكم الإمام الكاظم عليه السلام:
روي عن الكاظم عليه السلام أنه قال: “صلاة النوافل قربانٌ الى الله لكل مؤمن”.
والحج جهاد كل ضعيف.
ولكل شيء زكاة، وزكاة الجسد صيام النوافل.
وأفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.
ومن دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان كمن رمى بسهم بلا وتر.
ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية، وما عال امرىً اقتصد.
والتدبير نصف العيش.
والتودّد الى الناس نصف العقل.
وكثرة الهم يورث الهرم، والعجلة هي الخرق.
وقلة العيال أحد اليسارين.
ومن أحزن والديه فقد عقّهما.
ومن ضرب بيده على فخذه، أو ضرب بيده الواحدة على الاُخرى عند المصيبة فقد حبط أجره، والمصيبة لا تكون مصيبة يستوجب صاحبها أجرها إلاّ بالصبر. والاسترجاع عند الصدمة.
والصنيعة لا تكون صنيعة إلاّ عند ذي دين أو حسب.
والله ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.
ومن اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة، ومن بدر وأسرف زالت عنه النعمة.
وأداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.
واذا أراد الله بالذرة شراً أنبت لها جناحين فطارت فأكلها الطير.
والصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلاّ بثلاثة أشياء: تصغيرها وسترها وتعجيلها، فمن صغّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظّم أخاه، ومن عظّم الصنيعة عنده فقد صغّر أخاه، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله.
“ومن عجّل ما وعد فقد هنئ العطيّة”.
قال أبو الحسن الماضي عليه السلام: “قل الحقّ وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فانّ فيه هلاكك”.
قال عليه السلام: “ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه ولا يتّهمه في قضائه”.
وقال رجل: سألته عن اليقين؟ فقال عليه السلام: “يتوكّل على الله، ويسلّملله، ويرضى بقضاء الله، ويفوّض الى الله”.
وقال عبد الله بن يحيى: كتبت إليه في دعاء “الحمد لله منتهى علمه” فكتب عليه السلام: “لا تقولنّ منتهى علمه، فانه ليس لعلمه منتهى. ولكن قل: منتهى رضاه”.
وسأله رجل عن الجواد؟ فقال عليه السلام: “إنّ لكلامك وجهين، فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه، والبخيل من بخل بما افترض الله، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى ، وهو الجواد إن منع، لأنّه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ماليس لك”.
وقال لبعض شيعته: “أي فلان ! اتق الله وقل الحق وان كان فيه هلاكك فإنّ فيه نجاتك، أي فلان! اتّق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك، فإنّ فيه هلاكك”.
وقال له وكيله: والله ما خنتك فقال عليه السلام له: “خيانتك وتضييعك عليّ مالي سواء والخيانة شرّهما عليك”.
وقال عليه السلام: “إيّاك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثله في معصية الله”.
وقال عليه السلام: “المؤمن مثل كفّتي الميزان كلّما زيد في إيمانه زيد في بلائه”.
وقال عليه السلام: عند قبر حضره: “ان شيئاً هذا آخره لحقيقٌ أن يزهد في أوله. وانّ شيئاً هذا أوّله لحقيق أن يخاف آخره”.
وقال عليه السلام: “من تكلّم في الله هلك، ومن طلب الرئاسة هلك. ومن دخله العجبُ هلك”.
وقال عليه السلام: “اشتدت مؤونة الدنيا والدين: فأمّا مؤونة الدنيا فإنّك لا تمدّ يداك الى شيء منها إلاّ وجدت فاجراً قد سبقك إليه. وأمّا مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً يعينونك عليه”.
وقال عليه السلام: “أربعة من الوسواس: أكلُ الطين وفتّ الطين. وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللّحية. وثلاث يجلين البصر: النظر الى الخضرة والنظر الى الماء الجاري والنظر الى الوجه الحسن”.
وقال عليه السلام: “ليس حسن الجوار كفّ الاذى ولكن حسنُ الجوار الصبر على الأذى”.
وقال عليه السلام: “لا تُذهب الحشمة بينك وبين أخيك.وأبق منها، فانّ ذهابهاذهاب الحياء”.
وقال عليه السلام: لبعض ولده: “يا بنيّ إيّاك أن يراك الله في معصية نهاك عنها. وإيّاك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها. وعليك بالجد. ولا تخرجنّ نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته، فإن الله لا يُعبد حق عبادته. وإيّاك والمزاح; فإنّه يذهب بنور إيمانك ويستخفّ مروّتك. وإيّاك والضّجر والكسل، فإنّهما يمنعان حظّك من الدنيا والآخرة”.
وقال عليه السلام: “اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحلّ لاحد أن يظنّ بأحد خيراً حتى يعرف ذلك منه”.
وقال عليه السلام: “ليس القبلة على الفم إلاّ للزوجة والولد الصغير”.
وقال عليه السلام: “اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعةً لمناجاة الله. وساعةً لأمر المعاش. وساعةً لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن. وساعةً تخلون فيه للذاتكم في غير محرّم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات. لا تحدّثوا أنفسكم بفقر ولا بطول عمر، فإنّه من حدّث نفسه بالفقر بخل. ومن حدّثها بطول العمر يحرص. اجعلوا لأنفسكم حظّاً من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال ومالا يثلم المروّة وما لا سرف فيه. واستعينوا بذلك على أمور الدين، فإنّه روى: ليس منّا من ترك دنياه لدينه أو ترك دينه لدنياه”.
وقال عليه السلام: “تفقّهوا في دين الله فإنّ الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدين والدنيا.وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب. ومن لم يتفقّه في دينه لم يرض الله له عملا”.
وقال عليه السلام لعلي بن يقطين: “كفّارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان”.
وقال عليه السلام: “كلّما أحدث الناس من الذنوب مالم يكونوا يعملون أحدث الله لهم من البلاء مالم يكونوا يعدّون”.
وقال عليه السلام: “إذا كان الإمام عادلا كان له الأجر وعليك الشكر وإذا كان جائراً كان عليه الوزر وعليك الصبر”.