المؤمن الواقعي وصفاته

 قال المفسرون في معنى قوله تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا﴾ الأحزاب:۶٫: “إن الله سبحانه جعل للنبي على المؤمنين حق التصرف في أموالهم، وأنفسهم، ومن أبى، أو اعترض فقد خرج عن ملة الإسلام، وليس من شك في وجوب السمع، والطاعة له، لأن كلمة النبي من حيث هي تستدعي ذلك، إضافة إلى قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ النور:۵۲٫ ومع هذا يسوغ لنا القول بأن هذه آية من سورة الأحزاب تنطوي على معنى آخر، وهي أنها تحدد مفهوم المؤمن الواقعي لا الظاهري، وتعرّف به كما هو عند الله لا عند الناس، وأنه هو: الذي آمن وأيقن من الأعماق بأن النبي صلى الله عليه وآله أولى منه بنفسه، وأهله، وماله، يتصرف بذلك كيف يشاء، ولا مشيئة له مع النبي على الإطلاق”.

 وفي الحديث: أن النبي قال: “والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من نفسه، وأبويه، وأهله، وولده، والناس أجمعين”.۱

 وسأله رجل: “متى تقوم الساعة؟ فقال: وماذا أعددت لها؟ قال الرجل: ما أعددت لها كثير صوم، وصلاة إلا أني أحب الله، ورسوله. فقال النبي صلى الله عليه وآله: المرء مع من أحب”.۲

 قال أنس: فما رأيت المسلمين فرحوا بعد الإسلام بشيء أشد من فرحهم بهذه البشارة. ۳

 ولا تفسير لفرحهم هذا إلا بحبهم، وإخلاصهم لرسول الله صلى الله عليه وآله، وإيمانهم بأنه أملك منهم بأنفسهم. كانوا يفتدونه بالأرواح، والمهج، ويبارز الآباء ـ بقيادته ـ الأبناء، والأبناء يتربصون بالآباء، وكانت المرأة المسلمة تفتقد زوجها، وولدها، وأباها، وتحمد الله مبتهجة بنجاة الرسول، والسيرة النبوية متخمة بالشواهد على هذه الحقيقة وعلى سبيل المثال أسر مشركو مكة من الصحابة زيد بن الدتنة، ولما قدموه للقتل قال له أبو سفيان: أنشدك بالله أتحب أن محمداً مكانك تضرب عنقه وأنت سالم؟ فقال: والله ما أحب أن تصيب محمداً شوكة تؤذيه، وأنا سالم من القتل. فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً، ثم قتل زيد. ۴

 وعلى أساس هذا الحب لرسول الله صلى الله عليه وآله، والصلة بينه وبين أمته قامت دعوة الإسلام، ودولته التي غيرت وجه الأرض بشريعتها، وأذلت الطغاة بقوتها، وأعز الله بسلطانها كل من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله على قلة العدة، والعدد.

 والمسلمون اليوم أكثر مالاً ونفراً من أي وقت مضى، ولكنهم فريسة لكل آكل، وغنيمة لكل طامع حتى لإسرائيل. ولو كنا نحب الله ورسوله حقاً وصدقاً لجمعنا هذا الحب على إحساس واحد، وكلمة واحدة، وتعاونا على العمل لإعلاء كلمة الإسلام، والذود عن حقوق المسلمين، وكرامتهم.۵

 وقد وصف تعالى المؤمنين بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ* وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ *وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ المؤمنون:۱-۹٫

—————————————————————————–

 ۱- بحار الأنوار : ۲۲ /۸۸٫

۲- علل الشرايع :۱/۱۹۸٫

۳- بحار الأنوار : ۱۷/۱۳٫

۴- السيرة النبوية لابن هشام :۲/۶۶۳٫

۵- في ظلال الصحيفة السجادية/ العلامة محمد جواد مغنية ص۱۲۰_۱۲۲٫