من سمات الفقيه المقدس الميرزا التبريزي(رحمة الله عليه) سعيه الحثيث الى إيصال رسالته للآخرين لاسيما تلامذته بكل حركة من حركاته وسكناته، فكانت أعماله هادفة ولايصدر منه فعل أو قول أمام الناس إلا عن دقة وحساب فائقين غالباً، فإذا ما دخل المسجد الأعظم لإلقاء دروسه صلى ركعتين ثم رفع يديه الى السماء للدعاء ثم يرتقي المنبر لإلقاء دروسه، وكان لهذا العمل الأثر البالغ في روحية الطلبة؛ حيث كانوا يشاهدون بأعينهم هذا المرجع بهذه المرتبة العظيمة وبهذا العلم الغزير يجثو ـ قبل إلقاء درسه ـ أمام ساحة القدس الالهي ليطلب المدد والعون، وهذا بحدّ ذاته رسالة إلى جميع المتصدين للتدريس، لقد أراد القول إن على الانسان المتدين أينما كان ومهما كان عمله أن يلتجأ إلى الله تعالى ويتوسل بأهل البيت(علیهم السلام) ويطلب منهم العناية والمدد.
كان الفقيه الكبير المرحوم الميرزا جواد التبريزي(رحمة الله عليه) دقيقاً وحذراً في حمل كتب الفقه والحديث، ولأجل أن يأخذ كتاباً ما فانه كان يرفع أحياناً عدد من الكتب ويضعها على الأرض حتى يصل الى الكتاب الذي يحتاجه. وكان يولي احتراماً خاصاً لكتب الفقه والحديث عندما ينقلها من مكان الى آخر، فانه كان يراعي بنقلها الدقه والاحترام ويقول دائما: إن هذه الكتب تحتوي على الأحاديث الشريفة لأهل البيت(علیهم السلام) فانقلوها بدقة واحترام. وكان ينحني بشدة حتى يضع الكتاب على الأرض أو على الطاولة وأحياناً يقبل الكتب احتراما لما تحتويه من علوم ومعارف لأهل البيت(علیهم السلام)، و كان هذا درساً لجلسائه والمحيطين به. ويقول ابنه: لم أر والدي يوماً يمد رجله أثناء المطالعة، وكان يجلس باحترام والكتب تحيط به من كل جانب وأثناء درسه كان يقول: إن حمل هذه الكتب بهذه الأيدي أمان من نار جهنم لأن فيها أحاديث ومعارف أهل البيت(علیهم السلام).
جرت عادة الفقيه المقدس الميرزا التبريزي(رحمة الله عليه)أن يصطحب معه كتابي«وسائل الشيعة» للحر العاملي(رحمة الله عليه) و«العروة الوثقى» لليزدي إلى مجلس الدرس. يقول الفاضل المحترم حجة الاسلام الشيخ غلام حسين الفشاركي: ذهبت إلى مكتب الميرزا التبريزي(رحمة الله عليه) صباح أحد الأيام قبل موعد درس الشيخ(قدس سره)، ولما أراد الخروج إلى الدرس رافقته، وحين الخروج لاحظت أن الشيخ(قدس سره) يحمل بين يديه كتباً تمنعه من إحكام قفل باب غرفته بسهولة فتناولت الكتب من يديه حتى أغلق الباب بروية ثم توجه إليّ قائلاً: «أعد إليَّ كتبي!». فقلت يا سماحة الشيخ دعها معي فإنها ثقيلة وساُعيدها لكم في المسجد الأعظم (مكان الدرس). فالتفت إليّ الشيخ وقال: «أعد إليّ الكتابين فإن أحدهما فقه آل محمد والآخر روايات أهل البيت(علیهم السلام) وإني اُريد أن أحملهما بيديّ لتأمنا نار جهنم غداً». وأخذ بالبكاء… .
وقد تركت تلك الكلمات بالغ الأثر في نفسي ولازلت حتى اليوم اُكرر كلمته تلك: «فان أحدهما فقه آل محمد والآخر روايات أهل البيت(علیهم السلام)».
——————————-
كتاب سيرة الشيخ (الميرزا جواد التبريزي رحمة الله عليه)- الصفحة ۵۲