بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين:
أما بعد: فقد روي عن إمامنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنه قال:
(إن الله تبارك وتعالى اطلع إلى الأرض فاختارنا، واختار لنا شيعة، ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ….. الحديث) .
إن هذا الحديث الشريف يشير إلى ميزان الحب والمودة التي أمرنا بها في حق أهل البيت (ع) { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى } ، حتى لا يكون ادعاءً ولقلقة لسان، بل إن الحب واقع يعيشه المؤمن الموالي تظهر آثاره في حياته وسيرته، فإذا مرت مناسبة فرح لأهل البيت (ع) فرح لأجلهم وسُرَّ بها، وإذا مرَّت مناسبة حزن لأهل البيت (ع) حزن لأجلهم وتأثر بها، وهذا ما نجده جلياً في سيرة مرجعنا الراحل آية الله العظمى الميرزا جواد التبريزي (ره) الذي أفنى عمره الشريف في خدمة مذهبهم، وكان ممن يتأثّر بشدة في مناسباتهم ويتفاعل معها فكان بالفعل مصداقاً من مصاديق الشيعة الذين تحدثت عنهم الرواية التي افتتحنا بها الحديث.
ومن تلك المناسبات التي كان يتفاعل معها بشدة مرجعنا الراحل هو الأيام الفاطمية ومصيبة سيدة النساء المظلومة المقهورة فاطمة الزهراء‘، تلك المصيبة التي اهتزت لها أركان العرش وبكت لها ملائكة السماء، فكان من المتفانين في إحياء مصيبتها بكل الطرق والوسائل وبكل ما استطاع وأوتي من قوة، فمن جهة كان يؤكد في الاستفتاءات الواردة عليه على مظلوميتها، وأنها من مسلّمات المذهب الحق، وأنه لا يجوز التشكيك في مظلوميتها، حتى جمعت تلك الاستفتاءات في كتيب تحت عنوان: ( ظلامات فاطمة الزهراء‘ ). ومما قاله في الدفاع عن مقامها ومظلوميتها:
قضية فاطمة الزهراء سلام الله عليها وما كان لها حال حياة أبيها وما جرى عليها بعد وفاة أبيها هي أحد الأدلة القاطعة لحقانية مذهب التشيع، حيث إنها سلام الله عليها باتفاق جميع التواريخ قد أُوذيت بعد وفاة أبيها من قبل الجماعة مع أن الله سبحانه قال في كتابه المجيد { قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} ولم يكن لرسول الله ’ قربى أقرب من فاطمة سلام الله عليها وقد قال رسول الله ’: «إنما فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن أحبها فقد أحبّني»، فلم يراعوا حقها وآذوها وأجروا عليها من الظلم حتى استشهدت وذهبت من الدنيا وهي ساخطة عليهم غير راضية عنهم.
كيف؟؟!! ولو كانت فاطمة سلام الله عليها راضية عنهم غير ساخطة عليهم، فَلِمَ أوصت بدفنها ليلاً وتجهيزها سراً وإخفاء قبرها؟!
وهل الغرض في ذلك إلا لتكون علامة على سخطها على الجماعة ودليلاً على مصائبها التي جرت عليها بعد أبيها؟! ذاك السخط الذي يغضب الله ويسخط له كما قال النبي ’ في الحديث المروي في كتب الفريقين: «إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها» وهذه الإشارة كافية لمن له قلب سليم وألقى السمع وهو شهيد، والله العالم
ولما أثيرت فتنة التشكيك في مسلّمات الحق وبديهيات التاريخ وقف بوجهها المرجع الديني الراحل بكل ما أوتي من قوة، وسخّر لها كل إمكانات مرجعيته، بل كان مستعداً للتضحية بمرجعيته، بل بروحه من أجل تلك القضية المقدسة، فكان يرى قضية مظلومية سيدة النساء÷، عنواناً للدفاع عن كل المعتقدات التي نالتها يد التشكيك.
ومن جهة أخرى كان سماحته يحيي مظلومية أم الأئمة ÷ ، عملياً بلبس السواد وإحياء المجالس وجعلها كمناسبة عاشوراء الإمام الحسين× ، ومن أجلى مصاديق إحياء هذه المناسبة هو خروج مرجعنا حافياً في مسيرة سنوية من مكتبه إلى حرم السيدة فاطمة المعصومة ÷ ، وبالتنسيق مع سماحة المرجع الديني الشيخ حسين الوحيد الخراساني ، مما كان له أثر كبير على المؤمنين الموالين في كل مكان حين يرون مرجعهم يخرج حافياً باكياً ودموعه تنهمر على خديه وبلا عباءة، وكان مصراً على هذا العمل حتى في آخر سنة من عمره الشريف حينما كان المرض قد أخذ من جسمه مأخذه ومع ذلك خرج في تلك المسيرة ومشى فيها حافياً قدر ما أمكنه حتى سقط في أثناء المسيرة.
ولم ينسَ التوصية بإحياء هذه المناسبة فكتب في آخر بيان له في ذكرى استشهاد الإمام الصادق× إذ قال: (وقد علم جميع المؤمنين بأنني حينما رأيت بعض الفئات التي تدأبُ على التشكيك في مسلّمات الطائفة المحقة وعقائدها الحقة، ومحاولة تضييع مظلومية السيدة الزهراء÷ تصدِّيتُ بنحوٍ واضحٍ وصريح ـ لا مجاملة فيه ولا مصانعة لأحدٍ كائناً من كان ـ للدفاع عن مظلومية سيدتي ومولاتي شفيعتي في الآخرة فاطمة الشهيدة المظلومة(ص)………إلى أن يقول: لذلك كله أؤكد على إخواني المؤمنين الموالين الغيارى:
– أن يصمدوا على مسيرة الدفاع عن مظلومية أهل البيت (ع) وعقائدهم الحقة، وأن لا يخافوا كيد أعداء المذهب ومكر المشككين والمرجفين فإنهم منصورون بمدد الإمام الحجة #.
والسيدة الزهراء ‘ لم تنسَ مواقف الشيخ ـ وحاشاها أن تنسى من خدمها وتفانى في محبتها والدفاع عنها ـ فكان تشييعه تشييعاً مهيباً لم تشهده قم المقدسة منذ تاريخها كما ذكر كل ذلك من حضر ذلك التشييع، فأصبح يوماً تاريخياً لنصرة السيدة الزهراء÷ فكانت كل المواكب تنادي (يا زهراء).
فسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حياً.