بيع ما يقصد منه الحرام

mhzar-olama

وحاصله أنّ في المقام مسائل ثلاث:
الأُولى: ما إذا كان توافقهما على خصوص المنفعة المحرّمة.
الثانية: ما إذا كان الملحوظ كلتا المنفعتين المحلّلة والمحرّمة كما هو الحال في بذل الثمن للجارية المغنية.
الثالثة: ما إذا كانت المنفعة المحرّمة واستعمال الشيء في الحرام داعياً لهما إلى المعاملة، كما إذا اشترى العنب وكان قصدهما تخميره، ولكن بلا التزام منهما خارجاً أو اشتراطه في المعاملة.
ثمّ إنّه لا إشكال في فساد المعاملة وحرمتها في الأُولى، حيث أنّ المعاملة مع الالتزام والإلزام بالمنفعة المحرّمة تكون إعانة على الإثم، وأخذ العوض أكلاً له بالباطل، سواء ذكرا هذا الإلزام والالتزام في العقد بعنوان الشرط أم لا.
أقول: إثبات الحرمة للمعاملة المزبورة تكليفاً ووضعاً موقوف على حرمة مجرّد الإعانة على الاثم، وكون أكل الثمن فيها أكلاً له بالباطل، ولكن المحرّم هو التعاون على المعصية والعدوان، بأن يجتمع اثنان أو أكثر على تحقيق الحرام وإيجاده، وصدور الحرام عن شخص وتحقيق مقدّمة من مقدّماته من شخص آخر المعبّر عن تحقيق المقدّمة بالإعانة على الاثم لا يكون من التعاون على ذلك الحرام، ولو كان مجرّد الإعانة على الاثم محرّماً، لكان بيع العنب ممن يعمله خمراً حراماً تكليفاً، حتّى مع عدم اشتراط التخمير وعدم قصد البايع ذلك، وكذا لا يمكن الالتزام بالفساد، فإنّ الثمن في المعاملة لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة، بل إنّما يقع بإزاء نفس المبيع، وبما أنّ للمبيع منفعة محلّلة ومالية شرعاً يكون الحكم بالفساد مع اشتراط المنفعة المحرّمة مبنياً على كون الشرط الفاسد مفسداً للعقد، هذا كلّه بالإضافة إلى البيع.
وأمّا بالإضافة إلى الاجارة فإن كان الشرط راجعاً إلى تضييق مورد الاجارة وتقييدها بالمنفعة المحرّمة تكون باطلة باعتبار أنّ أخذ الاجرة بإزاء تلك المنفعة من أكل المال بالباطل، وهذا بخلاف ما إذا رجع الشرط إلى التزام زائد على أصل الاجارة بحيث يكون التخلّف من المستأجر في مثل الشرط موجباً لثبوت خيار الفسخ للموجر لا المطالبة بأُجرة المثل عمّا أتلفها عليه من المنفعة، فإنّ مع عدم تقييد مورد الاجارة تكون بطلانها باشتراط الحرام مبتنياً على مسألة فساد العقد بفساد الشرط، نعم في رواية جابر (صابر) قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن الرجل يؤاجر بيتاً فيباع فيه الخمر قال: حرام أجره»، ولكنّها لو حملت على صورة تقييد المنفعة فهو، وإلا فلا يمكن الاعتماد عليها لضعفها سنداً ومعارضتها بحسنة ابن أُذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن رجل يؤاجر سفينته ودابّته ممن يحمل فيها أو عليها الخمر، والخنازير، قال: لا بأس»
هذا، مع أنّ الروايتين غير ناظرتين إلى صورة الاشتراط، وما ذكره «ره» ـ في الجمع بين الروايتين من حمل الثانية على صورة اتفاق حمل الخمر أو الخنزير من غير أن يؤخذ ركناً أو شرطاً في العقد ـ لا يمكن المساعدة عليه، فإنّ كون الحرمة متيقّنة ـ من رواية بالإضافة إلى أمر والجواز من رواية أُخرى بالإضافة إلى أمر آخر ـ لا يوجب كون كلّ منهما قرينة عرفية على التصرّف في الأُخرى، كما تقدّم ذلك في علاج المعارضة بين ما ورد من أنّ ثمن العذرة سحت، وما ورد من عدم البأس به ولعلّه إلى ذلك أشار «ره» في آخر كلامه بقوله «فتأمّل».
والحاصل أنّه لو تمّ الحكم بالبطلان في المسألة الثالثة الآتية ثبت في هذه المسألة أيضاً بالفحوى، والا فلا موجب للالتزام في المسألة بالفساد، بل ولا لحرمة المعاملة تكليفاً، نعم شراء المشتري العنب للتخمير داخل في التجري، وإلزام البايع داخل في ترغيب الناس للحرام، وهذا لا يوجب حرمة نفس المعاملة كما لا يخفى.
نعم، لا بأس بالالتزام بالحرمة تكليفاً في بيع العنب حتّى فيما إذا كان التخمير مما التزم به المتعاقدان خارجاً بلا اشتراطه في البيع بفحوى اللعن الوارد على غارس الخمر، ولكن الحرمة لا تقتضي فساده كما هو المقرّر في محلّه. وربّما يقال في وجه بطلان المعاملة ـ في مثل بيع العنب بشرط أن يصنعه خمراً ـ أنّ هذا الشرط ينافي مقتضى العقد، ووجه منافاته له أنّه كما أنّ بيع الشيء مع اشتراط عدم الانتفاع به أصلاً مساوق لاشتراط عدم ملك المبيع للمشتري وعدم كونه مالاً له، كذلك اشتراط عدم الانتفاع به انتفاعاً حلالاً، حيث أنّ هذا الشرط مع انضمام منع الشارع عن التخمير مثلاً إسقاط للعنب عن كونه ملكاً ومالاً للمشتري من جهة التخمير ومن جهة سائر المنافع، فلا يتمّ البيع الذي حقيقته جعل المبيع ملكاً ومالاً للمشتري بإزاء الثمن، وهذا الفساد لا يرتبط بالقول بكون الشرط الفاسد مفسداً، فإنّ تلك المسألة فيما إذا لم يكن الشرط موجباً لفقد شرط أو ركن من أصل المعاملة، وإلا كان أصل العقد باطلاً حتّى مع الالتزام فيها بعدم الإفساد.
أقول: الموجب لبطلان الشرط بل بطلان المعاملة معه فيما إذا كان الشرط منافياً لمقتضى العقد هو عدم قصد إنشاء المعاملة مع الشرط المزبور، مثلاً في قول البايع بعتك هذه العين بكذا بشرط أن لا تدخل في ملكك كان الشرط باطلاً ومبطلاً للبيع، لرجوعه إلى عدم قصده تمليكها للمشتري، مع أنّ البيع هو تمليك العين بعوض، وأمّا إذا كان الشرط ملائماً لجعل الملك واعتبار دخول المبيع في ملك المشتري، كما إذا قال بعتك هذا المال على أن يخرج عن ملكك، فيدخل في مسألة كون الشرط الفاسد مفسداً أم لا. وهذا في المورد الذييكون الخروج عن الملك محتاجاً إلى سبب، وإلا فلا بأس بالشرط في مثل بيع العبد من ابنه الحرّ بشرط خروجه عن ملكه، واشتراط عدم الانتفاع بالمبيع أصلاً لا يلازم عدم دخول العين في ملك المشتري، بل يصحّ البيع والشرط معاً فيما إذا كان في الاشتراط غرض عقلائي، كما إذا باعه قطعة من الذهب واشترط أن لا ينتفع بها أصلاً، وكان غرضه بقاؤها حتّى تصل إلى ورثة المشتري. وأمّا إذا لم يكن فيه غرض عقلائي كان الشرط باطلاً، كما إذا باع العنب واشترط عدم الانتفاع به أصلاً، حيث أنّ الشرط ـ لكونه سفهائياً والعمل به تبذيراً للمال ـ باطل، ولكن لا ينافي هذا الاشتراط قصد دخول العنب في ملك المشتري.
لا يقال: العنب مع الشرط المزبور لا يكون مالاً، فيكون أكل الثمن بإزائه من أكل المال بالباطل.
فإنّه يقال: إنّما لا يكون العنب مالاً فيما إذا كان الشرط نافذاً، وأمّا مع إلغائه كما هو مقتضى كون الشرط سفهائياً، فلا يدخل تملّك الثمن بإزاء العنب في العنوان المزبور.
والحاصل: انّ اعتبار الملك للمشتري لا ينافي اشتراط عدم انتفاعه بالمبيع، بل الشرط المزبور ينافي كونه مالاً مع نفوذه ولزومه، والمفروض أنّه غير لازم وغير نافذ حتّى في اعتبار العقلاء، فيكون المبيع ملكاً ومالاً للمشتري، كما هو مقتضى اطلاق دليل حل البيع، وهذا فيما إذا اشترط في البيع عدم الانتفاع بالمبيع أصلاً بأيّ انتفاع، وأمّا إذا كان الشرط عدم الانتفاع المحلّل أو الانتفاع به بالمحرّم فلا ينافي الشرط الملك، ولا كون المبيع مالاً، وذلك فإنّ اعتبار شيء ملكاً للمشتري ومالاً له في اعتبار المتعاقدين لا يتوقّف على ثبوت المنفعة المحلّلة له، ولذا يتعاملون فيما بينهم على الخمر وغيرها مما لا منفعة محلّلة له. وعلى ذلك فبيع العنب مع اشتراط تخميره بيع في اعتبار العقلاء، وبما أنّ دليل إمضاء الشروط لا يعمّ اشتراط تخميره فالشرط المزبور ملغى، وبعد إلغائه لا مانع من شمول «أحلّ اللّهُ البيعَ» لبيع العنب واعتبار كونه ملكاً ومالاً للمشتري، لأنّ المفروض أنّ العنب مال حتّى شرعاً لثبوت المنفعة المحلّلة له، ولو كانت تلك المنفعة ملغاة عند المتعاقدين باشتراط التخمير.
وذكر السيد الخوئي طال بقاؤه أنّ المعاملة مع اشتراط المنفعة المحرّمة وإن كانت صحيحة، إلا أنّها محرّمة تكليفاً، وذكر في وجه ذلك أنّ إلزام الغير بالمحرّم ـ كإكراهه عليه ـ حرام، فالمعاملة المشتملة على الشرط الحرام بما أنّها إلزام للغير بالمحرم تكون محرّمة. ولكن حرمتها بهذا العنوان كحرمتها بسائر العناوين الطارئة عليها لا تكون موجبة لفسادها.
ولا يخفى ما فيه فإنّ الشرط في مثل التخمير من الأعمال ليس بنفسه إلزاماً للغير، بل هو التزام على نفسه للغير، وإذا تمّ هذا الالتزام يكون للغير حقّ إلزامه، فيكون الإلزام من آثار صحّة الشرط لا نفس الشرط الذي لا حرمة فيه إلا وضعاً. نعم هو قسم من التجرّي، والحاصل أنّ الإلزام في شرط الأعمال فعل للمشروط له وخارج عن أصل المعاملة وشرطها، وأثر لتمام الشرط فيها، فلا يترتب فيما إذا لم يتمّ الشرط، كما إذا كان المشروط عملاً محرّماً.
دفع ما يمكن أن يقال من أنّه قد ورد المنع في رواية جابر المتقدّمة عن إيجار البيت ليباع فيه الخمر، وقد حمل «ره» تلك الرواية على صورة الاشتراط بأن يشترط في إيجارها استيفاء منفعة البيت ببيع الخمر فيها، أو أن يجعل تلك المنفعة ركناً، بأن يكون متعلق التمليك في الاجارة خصوص قابلية البيت لبيع الخمر فيه ولا يرضى «ره» أن يحمل على الاشتراط ما ورد في بيع الخشب ممن يصنعه صنما[ً أو صليباً، فما الفرق بينهما؟ وأجاب بالفرق بينهما وأنّ الاشتراط في مثل بيع الخشب بعيد عن المسلم، بخلاف اجارة البيت لبيع الخمر أو إحرازها فيه، بأن يجعل بيعها فيه أو إحرازها ركناً في عقد الاجارة أو شرطاً فيه، فإنّ صدور هذا النحو من الايجار من المسلم غير بعيد، كما إذا كانت الاجرة في مقابل تلك المنفعة زائدة على أُجرة سائر منافعها، وبما أنّ السائل يحتمل حرمة هذا الإيجار وفساده فسأل الإمام (ع) عن حكمه.

بيان وجه بطلان المعاملة رأساً في مورد اشتراط صرف المبيع في الحرام، مع أنّ المفروض أنّ للمبيع منفعة محلّلة مقصودة. وحاصل الوجه أنّه قد تقدّم في بيع آلات القمار ونحوها بطلان المعاملة رأساً وعدم انحلالها إلى المعاملة على الهيئة والمعاملة على المادّة، حتّى تبطل الأُولى وتصحّ الثانية، مع أنّ كلاً من الهيئة والمادة جزء الشيء، وانحلال المعاملة على الكلّ إلى المعاملة على الأجزاء أولى مما نحن فيه، مما تكون المعاملة جارية على الشرط والمشروط. والمراد بالشرط المنفعة المحرّمة وبالمشروط نفس الشيء.
وبعبارة أُخرى لا يكون مع بذل الثمن على الشيء بلحاظ منفعته المحرّمة انحلال في المعاملة لتبطل بالاضافة إلى الشرط، وتصح بالاضافة إلى أصل المشروط.
أقول: هذا الكلام باطل ، والسرّ في ذلك أنّ الثمن في البيع لا يقع بإزاء الشرط أو المنفعة من غير فرق بين المحلّل منهما أو المحرّم، ولذا لا يثبت مع تخلّف الشرط أو المنفعة إلا الخيار لا تبعيض الثمن. وعلى ذلك ففي مورد بطلان الشرط الذي في نفسه التزام آخر غير أصل البيع لا موجب لبطلان نفس البيع، وهذا بخلاف صورة كون الهيئة مما لا يتموّل شرعاً، كآلات القمار، فإنّه لا يمكن فيها تصحيح البيع بالإضافة إلى المادّة بعد بطلانه بالإضافة إلى الهيئة، لما تقدّم من أنّ الثمن في بيعها يقع بإزاء الهيئة والمادة بما هما شيء واحد، فلا يصحّ البيع بالإضافة إلى أحدهما بعد بطلانه بالإضافة إلى الآخر، فلاحظ وتدبّر.

[۲] حاصل أنّه إذا كانت في العين صفة يقصد منها الحرام ككون الجارية مغنّية والعبد ماهراً في القمار أو السرقة فللبيع صور ثلاث:
الأُولى: ما إذا جرت المعاملة على تلك العين ولوحظ فيها الوصف المزبور بأن زيد الثمن باعتباره، ويجعل ذلك الوصف شرطاً في تلك المعاملة، ففي هذه الصورة يحكم ببطلانها باعتبار أنّ تقسيط الثمن على الوصف غير متعارف، وإنّما يكون الوصف داعياً إلى زيادة الثمن، فيكون أخذ ذلك الثمن بإزاء تلك العين المشروط فيها الوصف المزبور من تملّكه بالباطل.
الثانية: ما إذا اشترى الجارية المغنّية بما هي جارية، أي لم يشترط في بيعها كونها مغنّية، بحيث لو فرض عدم ثبوت الوصف فيها واقعاً لم يثبت في اعتبار المتعاملين للمشتري خيار تخلّف الوصف، ففي هذه الصورة يصحّ البيع حتّى فيما إذا كان الوصف داعياً إلى شرائها، بل وبذل ثمن زائد عليها، حيث أنّ مع عدم اشتراط وصف كونها مغنّية لا يكون أخذ الثمن بإزائها من أكله بالباطل.
الثالثة: ما إذا جعل كونها مغنّية شرطاً في المعاملة وزيد ثمنها باعتبار الوصف، إلا أنّه لم يقصدا الحرام من ذلك الوصف بل جعلاه شرطاً باعتبار أنّه وصف كمال قد يصرف في المحلل، بأن يكون منشأ للحلال، كالغناء في الأعراس، ففي هذه الصورة مع كون المنفعة المحلّلة المترتبة على الوصف مقصودة للعقلاء ولم تكن نادرة فلا بأس بالبيع المزبور.
وأمّا إذا كانت نادرة فهل يكون الوصف المشروط المترتب عليه المنفعة الغالبة المحرّمة مع المنفعة النادرة المحلّلة على الفرض، كالعين التي لها منفعة غالبة محرّمة ومنفعة نادرة محلّلة، بأن لا يجوز البيع بمجرّد تلك المنفعة النادرة أو أنّه لا بأس باشتراط الوصف المزبور، ولا يقاس الوصف بالعين؟ ذكر «ره» أنّ الأقوى عدم الإلحاق والحكم بصحّة بيع الجارية المغنّية مع شرط كونها مغنّية بلحاظ أنّها صفة كمال تصرف في الحلال ولو نادراً. وما ورد من أنّ ثمن الجارية المغنية سحت منصرف إلى الغالب، يعني إلى البيع في الصورة الأُولى، ووجه القوّة أنّ الجارية لها منفعة مقصودة محلّلة كالاستمتاع بها واشتراط كونها مغنّية إنّما توجب كون المأخوذ في مقابلها أكلاً للمال بالباطل، فيما إذا كان المقصود من الصفة هو الحرام ومع عدم قصد الحرام لا توجب ذلك، وهذا بخلاف ما إذا لم يكن في العين إلا المنفعة المحلّلة النادرة غير الملحوظة عند العقلاء، حيث يكون أكل الثمن بإزائها من أكله بالباطل.
أقول: إذا لم يكن الوصف من الأوصاف المقوّمة للمبيع يكون الثمن في المعاملة بإزاء نفس العين، حتّى في صورة اشتراطه في المعاملة، وليس شرط الوصف قيداً للمبيع، بل كما هو المقرر في محلّه التزام آخر غير أصل المعاملة، وحقيقة اشتراط الوصف هو جعل المشتري الخيار لنفسه في صورة تخلّف ذلك الوصف، ولو فرض بطلان هذا الجعل، فلا بأس بشمول «أحلّ اللّهُ البيعَ» لأصل المبادلة، وكيف يكون أخذ الثمن بإزاء الجارية من أكله بالباطل، مع أنّ الجارية ـ المفروض وقوع تمام الثمن بإزائها في نفسها ـ من الأموال.
والحاصل أنّ الحكم بالبطلان في المقام على خلاف القاعدة وللنص الوارد في أنّ ثمن الجارية سحت. والنصّ المزبور يعمّ الصورة الثالثة أيضاً. ودعوى انصرافه إلى الصورة الأُولى فقط بلا وجه. نعم لا يعمّ الصورة الثانية لظهوره في بيع الجارية المغنّية بما هي مغنّية، وفي تلك الصورة يكون بيعها بما هي جارية كما لا يخفى. وعلى ذلك، فإن أمكن الاطمئنان بعدم الفرق في الحكم بين بيع الجارية المغنّية وبين مثل بيع العبد الماهر في القمار يتعدّى عن مورد النصّ وإلا فيقتصر على مورده.

إذا باع مثلاً العنب ممن يعمله خمراً ويكون داعيه إلى بيعه منه تخميره، ونفى في هذه الصورة الإشكال والخلاف في حرمة البيع، وظاهر الحرمة عند إضافتها إلى البيع، وإن كان هو الفساد، إلا أنّ تعليلها بكون البيع إعانة على الإثم قرينة على كون المراد هو التكليف. ثمّ تعرّض لما باع العنب مثلاً ممن يعمله خمراً من غير أن يكون داعيه إلى بيعه منه تخميره، بحيث يبيعه منه حتّى لو لم يعمله خمراً، وذكر أنّ الأكثر في هذا الفرض على الجواز لبعض الأخبار، كصحيحة عمر بن أُذينة، قال: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) أسأله عن رجل له كرم، أيبيع العنب والتمر ممن يعلم أنّه يجعله خمراً أو سكراً؟ فقال: إنّما باعه حلالاً في الابان الذي يحلّ شربه أو أكله فلا بأس ببيعه»ورواية أبي كهمس، قال: «سأل رجل أبا عبداللّه (ع) عن العصير فقال: لي كرم وأنا أعصره كلّ سنة وأجعله في الدنان ـ إلى أن قال (ع) ـ هو ذا نحن نبيع تمرنا ممن نعلم أنّه يصنعه خمراً» ونحوهما غيرهما، وفي مقابلهما صحيحة ابن أُذينة ومعتبرة عمرو بن حريث، وفي الأُولى: «كتبت إلى أبي عبداللّه (ع) عن رجل له خشب، فباعه ممن يتخذه صلباناً قال: لا»، وفي ثانيهما، قال: «سألت أبا عبداللّه (ع) عن التوت أبيعه ممن يصنع الصليب والصنم؟ قال: لا»، وعن بعض الجمع بين الطائفتين بحمل الناهية على صورة اشتراط المنفعة المحرّمة على المشتري والمجوّزة على غير صورة الاشتراط. وأورد «ره» على ذلك بأنّه بعيد، فإنّه لا يكون للمسلم داع فيما إذا باع شيئاً إلى أن يشترط على مشتريه استعماله في الحرام ثمّ يسأل الإمام (ع) عن ذلك، فلا يمكن حمل صحيحة ابن أُذينة ونحوها على ذلك، وذكر «ره» وجهين آخرين في الجمع بينهما:
الأوّل: حمل الناهية على الكراهة بشهادة صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه (ع) أنّه «سُئل عن بيع العصير ممن يصنعه خمراً، فقال: بيعه ممن يطبخه أو يصنعه خلاً أحبُّ إليّ، ولا أرى بالأوّل بأساً» حيث أنّ التعبير عن ترك البيع بالأحبّ ونفي البأس بعده قرينة على الكراهة.
والثاني: الالتزام بالمنع والتحريم في بيع الخشب ممن يصنعه صليباً أو صنماً، كما هو مفاد الطائفة الثانية وبالجواز في غيرهما، وقال: إنّ هذا الجمع قول فصل لو لم يكن قولاً بالفصل، يعني تفصيل في المسألة لو لم يكن خرقاً للإجماع المركّب.
أقول: المتعيّن هذا الوجه وحمل الجواز على كونه بنحو الكراهة غير ممكن، وذلك فإنّه قد ورد في صحيحة رفاعة قوله (ع): «ألسنا نبيع تمرنا ممن يجعله شراباً خبيثاً» حيث لا يمكن الالتزام باستمراره (ع) على ارتكاب المكروه، بل لا يمكن ذلك حتى في صحيحة عمر بن أُذينة فإنّه ذكر (ع) فيها جواز بيع الخشب ممن يصنعه برابط ثمّ منع عن بيعه ممن يعمله صنماً أو صليباً.
والحاصل أنّ المتعيّن هو الوجه الأخير، يعني أنّ بيع الشيء ممن يجعله هيكل عبادة صنماً أو صليباً لا يجوز تكليفاً كما مرّ، بخلاف البيع في غير ذلك فإنّه جائز بلا كراهة، نعم يستحبّ اختيار المشتري الذي يصرف الشيء في الحلال كما هو مقتضى التعبير بصيغة التفضيل في صحيحة الحلبي المتقدّمة التي جعلها «ره» شاهدة الجمع بين الطائفتين.