كما هو مقتضى ورود اللعن والوعيد عليه بالعذاب في الكتاب المجيد، قال عزّ من قائل: «ويقطعون ما أمر اللّه به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار». والنمام قاطع لما أمر اللّه به أن يوصل من تأليف قلوب المؤمنين وبسط المحبة فيما بينهم. وفيه أنّ ظاهر أمر اللّه بصلته وجوبها. ومن الظاهر عدم وجوب الصلة مطلقا، فلا دلالة للآية على حرمة النميمة في غير مورد الصلة الواجبة.
وبعبارة أخرى غاية ما يستفاد من الآية حرمة النميمة بين شخصين أو أشخاص يكون كل منهما أو منهم مكلفاً بالصلة مع الآخر أو الآخرين، بل يمكن أن يقال: ظاهر الآية حرمة قطع الصلة بأن يترك الصلة مع ذي رحمه، ولا نظر لها إلى النميمة أصلاً، كما أنّ مجرد النميمة لا تكون فساداً في الأرض، كما إذا أوقع الخلاف بين المتحابين من غير أن يترتب على التفرقة بينهما فساد آخر، فان هذا الايقاع نميمة، ولكن لا يصدق عليه أنّه فساد في الارض، وكذا الحال في الآية الثانية، فان ظاهرها ـ بملاحظة صدرها ـ ايقاع الفتنة بين المؤمنين وتفريق صفوفهم في مقاب الكفار، فان هذا أكبر من قتل المؤمن. ولا يترتب ذلك على كل نميمة حتى تقتضي حرمتها مطلقا، قال عزّ من قائل: «يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل اللّه وكفر به والمسجد الحرام واخراج أهله منه أكبر عند اللّه والفتنة أكبر من القتل»
وبتعبير ثالث لا يكون مطلق ايقاع الخلاف بين اثنين أكبر من قتل المؤمن والتعبير بأنّها أكبر من القتل قرينة واضحة على أنّ المراد بها الفتنة الخاصة، وهي ايقاع الخلاف والتشتت في صفوف المسلمين، بداعي تضعيفهم في مقابل الكفار.
ويستدل أيضاً على حرمتها بقوله سبحانه: «هما زمشاء بنميم» وعن السيد الخوئي طال بقاه أنّ مدلولها حرمة المبالغة ولا بدونها، بل هي واردة في بيان حكم آخر، وهو عدم جواز الاتباع والطاعة للحلاف الهماز المشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم.
نعم لا ينبغي الريب في حرمتها مطلقا ويكفي في اثباتها الروايات: كصحيحة علي بن جعفر عن أبي الحسن (ع)، قال: «حرمت الجنة على ثلاثة مدمن خمر، والنمام، والديوث وهو الفاجر» وصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع)، قال: «الجنة محرمة على القتاتين المشائين بالنميمة»
لا عبرة في صدق النميمة بكراهة الكشف، بل المعيار في صدقه نقل ما يكون وقيعة بين المنقول عنه والمنقول إليه.