زيارة عاشوراء المباركة من الزيارات المشهورة التي أولاها العلماء الكبار عناية خاصة ونقلوها في كتبهم بنصها الكامل وذكروا معها فضليتها. وممن تعرض لعظمة هذه الزيارة ومكانتها من علمائنا الكبار: الشيخ الطوسي (رحمه الله) في «مصباح المتهجد», ابن قولويه القمي (رحمه الله) في «كامل الزيارات» والكفعمي (رحمه الله) في كتابه «البلد الأمين» وابن طاووس (رحمه الله) في «مصباح الزائر» والشهيد الأول في «المزار» وغيرهم. فزيارة عاشوراء من الزيارات المشهورة والمجرّبة التي أكّد عليها أعاظم العلماء على مرّ العصور.
كفاية الشهرة في ثبوت قسم من الموضوعات الخارجية
إن تعلُّم الأحكام الشرعية وتحصيل المسائل الفقهية يعتبر من أعظم الأعمال وأرفعها, وانتم تعلمون أن هناك بعض الشروط فيما يخص الموضوعات الخارجية, وفي جميعها أو أغلبها لابد من إقامة البيِّنة, ولكن في بعضها (الموضوعات الخارجية) تكفي مجرد الشهرة في ثبوتها, ولا يحتاج إلى إقامة البيّنة ولا إلى أي شئ آخر, ومن هذه الموارد: ما لو اشترى شخصٌ أرضاً وبعد ذلك قيل له: أن هذه الأرض كانت وقفاً. وقد سُئل الإمام (عليه السلام) عن حكم هذه المسألة فأجاب (عليه السلام) : «إذا اشتهر بين الناس أن هذه الأرض من الموقوفات فلا يجوز شرائها ولا بد من إرجاعها. ومن هذه الموارد حدود منى والمشعر الحرام, فحدود منى وعرفات إنما تثبت بالشهرة. وكذلك الحكم بالنسبة إلى المقابر, إذ ربما دُفن ميت في مكان ما قبل مئتي عام, ولا يوجد اليوم شخصٌ حيٌ شهِد دفن ذلك الميت في هذا المكان, ولكن اشتهر بين الناس أن هذا المكان هو قبر فلان بن فلان, فهنا تكفي مجرد الشهرة بين الناس.
ولأجل هذا فإن المقام الشامخ والمزار العظيم للسيدة رقية بنت الإمام الحسين ‘ ثابت بالشهرة منذ دفنها (عليها السلام) فيه, ولعل الإمام الحسين (عليه السلام) أراد أن يُبقي تذكاراً في الشام ليبقى في وعي المؤمنين, ولكي لا يأتي في المستقبل مَن يُنكر حوادث الظلم والأسر الذي تعرّض له أهل بيت الطهارة والعصمة (عليهم السلام), فهذه الطفلة الصغيرة شاهد عظيم على أن ظلم الأمويين وأسرهم شمِل حتى الأطفال الصغار, ونحن نلتزم بأن الشهرة قائمة على دفن السيدة رقية (عليها السلام) في هذا المكان, فقد استشهدت (عليها السلام) في هذا المكان ودفنت في هذا المكان, وقد أسرعنا لزيارتها (عليها السلام) ولابد من رعاية الاحترام لهذا المكان المقدس. ولا يقال أنها مجرد طفلة صغيرة السن؛ فعبد الله (عليه السلام) كان طفلا رضيعاً, ولكنه حائز على مقام رفيع إذ دفن في كربلاء مع أبيه الحسين (عليه السلام). وقد ذكروا أن دفنه في هذا المكان له دلالاته الخاصة حيث أن الإمام الحسين (عليه السلام) سيُخرج يده من الضريح وهي تحمل عبد الله الرضيع (عليه السلام). إذن فدفن السيدة رقية (عليها السلام) وهي صغيرة السن شاهد كبير ومَعلَم قوي على مقدار الظلم والأسر الذي تعرض آل البيت (عليهم السلام), هذا الظلم الذي أبكى جميع الأنبياء والمرسلين من آدم إلى خاتم الرسل محمد (صلى الله عليه وآله), إلى درجة أن الله تعالى أقام العزاء للإمام الحسين (عليه السلام) بحضور آدم. ولذا فإن احترام هذا المكان يعد من الواجبات, فلا تستمعوا إلى بعض الأباطيل التي تقال هنا وهناك, ولا تُعِيروا أهمية لبعض الأقاويل المنحرفة التي تقول أن رقية (عليها السلام) لم تكن إلا مجرد طفلة صغيرة. ألم يكن عبد الله الرضيع طفلاً صغيراً؟ ومع ذلك فهو شاهد يوم القيامة وشافع للمذنبين من الشيعة إن شاء الله تعالى.
بناءاً على هذا يجب على الجميع احترام هذا المرقد الشريف (مرقد السيدة رقية (عليها السلام)) وان لا يلتفتوا إلى الأباطيل والانحرافات التي يوسوس بها الشيطان إلى بعض الناس. إننا نتقرب إلى الله تعالى بزيارة السيدة رقية بنت الإمام الحسين (عليه السلام) هذه البنت المظلومة, والتي تنحدر من عائلة تعرّضت جميعها للظلم والأذى.
والحاصل من كل ما تقدم: إن المرحوم الميرزا (أعلى الله مقامه) يرى أن مجرد الشهرة كافية في إثبات بعض الموضوعات الخارجية. ومن هنا يمكننا – على هذا المبنى – أن نثبت أن زيارة عاشوراء لا تحتاج إلى إقامة البينة, بل تكفي مجرد شهرتها لإثبات اعتبارها وصحتها.