لقد قال شيخنا المقدس العظيم الميرزا جواد التبريزي(رحمه الله) ـ رمز الولاء والفداء ـ : لو لا أنّ الشيعة دأبت في كل عام على إحياء عاشوراء بالمراسم المتنوعة، وأصّرت على إحيائها لشكّك الناس في وقوع فاجعة عاشوراء وحيث طرح الأعداء الشبهات العديدة لتشويهها، لذلك لايمكن سد باب التشكيك في فاجعة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، ومظلومية أميرالمؤمنين(عليه السلام) بعد وفاة الرسول(صلی الله عليه وآله) ولايمكن دفع الشبهات في شهادة الصديقة(عليها السلام) على مرّ الزمان إلا بإحياء ذكرى الشهادة الخالدة والفاجعة الأليمة فاجعة فاطمة الزهراء(عليها السلام) كإحياء عاشوراء تماماً لكي لايبقى مجال للتشكيك والتردد وهكذا… وبإصرار المقدس آية الله العظمى الشيخ الميرزا جواد التبريزي (قدس الله روحه الطاهرة) على إظهار وتصوير الفاجعة الأليمة بما هي تغيّرت المراسم الفاطمية المعتادة إلى عاشوراء ثانية. فقد كانت الأيام الفاطمية في جميع بلاد التشيع باهتة باردة، فلذا حمل الشيخ قدس الهع نفسه الزكية على عاتقه تبديل المراسم الفاطمية من شكلها المعتاد وجعلها مراسم عظيمة كمراسم عاشوراء الحسين(عليه السلام)، فبالبدء لم تكن الشيعة في المدن الإيرانية يولّون الأيام الفاطمية الاهتمام المناسب، ولم تكن مواكب العزاء تخرج بهذه المناسبة إلا في بعض المجالس المحدودة. ولكن بعد أن تولّى سماحته (قدس سره) الرد على الشبهات الواردة على قضية فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) ومظلوميتها أخذت المراسم الفاطمية طابعاً جديداً ملؤه الأسى والحزن وخصوصاً بعد خطابه المؤثر البليغ في درس الفقه في بيان أهمية المراسم الفاطمية، فقام هو وجمع من الفضلاء والطلاب والمؤمنين في يوم شهادة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) بالخروج في موكب مهيب لتقديم العزاء للسيدة المعصومة فاطمة بنت موسى بن جعفر(عليه السلام) وهم حفاة على لهيب أرض حارقة. وبهذا التحرك من الشيخ(رحمه الله) مع طلابه تحركت جميع الهيئات الحسينية لتقديم العزاء على أثرهم، واقتدى به عدة من المراجع والعلماء، واستمرت مواكب اللطم والعزاء بالسنوات اللاحقة تتجه إلى حرم السيدة المعصومة لتقديم العزاء في يوم شهادة فاطمة الزهراء(سلام الله عليها) على اختلاف الروايات. وبهذا العمل الذي قام به الشيخ (قدس الله نفسه الطاهرة) أصبحت المراسم الفاطمية شبيهة بمراسم عاشوراء أبي عبدالله الحسين(عليه السلام) لافي إيران وحدها بل في سائر بلدان الإمامية كالخليج ولبنان والعراق… وهكذا ظل(قدس الله نفسه) مخلصاً لإحياء ذكري شهادة فاطمة الزهراء(عليها السلام) بما ينبغي أن يكون حتى آخر أيام حياته، بل وفي السنة الأخيرة من حياته المقدسة وعلى الرغم من شدة المرض والإعياء فقد توجه الشيخ التبريزي(قدس الهة نفسه) بموكب العزاء باللطم على الصدور والرؤوس وهو حافي القدمين على الأرض الملتهبة إلى حرم السيدة المعصومة(سلام الله عليها)، ولكن وللأسف الشديد بعد أن قطع نصف الطريق مشياً على قدمين حافيتين اشتد عليه المرض والإعياء وأضعفه عن مواصلة الطريق مشياً، فتبع المسير مع موكب العزاء في المركبة ولم يرجع حتى انتهت مراسم العزاء المعتادة منه. وفي تلك السنة كان للشيخ التبريزي(قدس الله روحه الطاهرة) حالة خاصة وتوجه تام لإتمام الأيام الفاطمية على أكمل وجه بإخلاصه المعهود، وكأنه يستشعر بالرحيل ويدري أنها آخر فاطمية يحييها وهو في هذه الدار وإلى تلك اللحظات لم تكن دموعه على فاطمة الزهراء(عليها السلام) جفت بل كانت تنهمر كالمطر. فهيهات أن تزول وأن تمحى من الأذهان صورة حركة الشيخ وهو حافي القدمين حيث كانت تلتهب من شدة حرارة الشمس فتحرق رجليه المباركتين في طريق الدفاع عن حريم سيدة نساء العالمين(عليها السلام) ورد الضالين المضلين وهو يردد كلما طلب منه أن ينتعل عن هذا اللهيب «فداك يا زهراء»… سوف تبقى هذه الصورة حية في أذهاننا وأذهان الموالين لبيت العصمة حية إلى الأبد. وكما كان من بركات وجوده الشريف ومرجعيته الرشيدة مرجعية الولاء والعقيدة أن تحولت أيام الفاطمية الى عاشوراء المتأججه الصارخة فكذلك كان من آثار أنفاسه العلوية المباركة أن انبثق تيار الولاء والدفاع عن العقيدة وامتد إلى سائر بلدان التشيع يدافع عن ثغور المذهب ويحامي عن سوره العظيم، وبرزت كثير من الفتاوى منه ومن ثلة من المراجع الأعلام الذين حذوا حذوه في مجال نصرة المذهب الحق كما طبعت الكتب الكثيرة التي تحمي التشيع وعقيدته من نزغات الشياطين وتشكيكات المبدعين في ظلال مرجعيته الشريفة، فما أعظم تلك الأيام التي كانت تفيض جهاداً ونضالاً وكانت مغمورة بحرارة الولاء والفداء للصديقة الشهيدة(سلام الله عليها)، فهنيئاً لك يا أسد الزهراء ويا سيف العقيدة ويا ليث الولاء على هذا التاريخ المشرق الوضاء وسلام عليك يوم ولدت ويوم توفيت ويوم تبعث حياً.
السيد منير الخباز