1. إذا اشتهر خبر ما, بمعنى أنه نُقل في مصادر حديثية مختلفة وبأسناد متنوعة لأكثر من راوي, فوصل إلى حد الشهرة. فإن ذلك موجب للإطمئنان والوثوق بصدور هذا الحديث عن المعصوم (عليه السلام).
2. أحيانا تكون المناشئ العقلائية موجبة لثبوت الخبر والاطمئنان بصحة صدوره عن المعصوم (عليه السلام), وذلك لكثرة المصادر التي ذكرت الخبر, التي هي موجبة للإطمئنان بصدور الخبر عن المعصوم (عليه السلام). فالعلماء اعتمدوا على بعض النصوص , مع أنها غير تامة من الناحية السندية, وخصوصا في المستحبات والمكروهات.
3. بلاغة اللفظ وسمو المعنى في زيارة عاشوراء مؤيّد قوي على صدورها من أهل البيت (عليهم السلام), وهذا الأمر يتجلى لنا في كتاب «نهج البلاغة» لمولانا الأمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) فالمعاني السامية والانسجام بين الألفاظ يوجبان الاطمئنان بصدور هذا الكلام عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام).
4. مطابقة المضامين الواردة في زيارة عاشوراء للملاكات والأدلة العامة المذكورة في الكتاب والسنة القطعيين. وهذا بنفسه دليل آخر على صحة زيارة عاشوراء.
5. الانسجام الحاصل بين بعض المضامين والعبارات الواردة في الزيارة مع بعض الروايات الصحيحة, ومن ذلك إبراز الظلم والأذى الذي لحق بأهل البيت (عليهم السلام), والسلام واللعن.
6. اشتملت هذه الزيارة الشريفة على قسمين من المضامين العالية: الأول: هو المدح والثناء الجميل والسلام على أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) والثاني هو اللعن والبراءة من أعدائهم (عليهم السلام) وغاصبي حقوقهم. وكلا هذين الأمرين – السلام واللعن – مما أكّد عليه الأئمة (عليهم السلام) ووردت به روايات صحيحة وجعل الله لعامله أجرا مضاعفا.
7. تعتبر هذه الزيارة إحياء لأمر أهل البيت (عليهم السلام) لأن التذكير بالظلم الذي نزل بآل البيت (عليهم السلام) من أعدائهم وإقامة المجالس بشتى أشكالها لذكر أهل البيت (عليهم السلام) وبيان مظلوميّتهم وخصوصا المجالس التي تقام للإمام الحسين (عليه السلام) هي إحياء لأمرهم (عليهم السلام) وقد كتب الله لعاملها الأجر الجزيل.
وقد ورد في هذا المجال رويات مستفيضة ونحن نكتفي بالإشارة إلى بعضها:
1. «قال الصادق (عليه السلام): الحمد لله الذي جعل في الناس من يفد إلينا ويمدحنا ويرثي لنا»
2. «قال الصادق (عليه السلام): تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا وأحيوا أمرنا»
3. «قال الصادق (عليه السلام) للفضيل: تجلسون وتحدِّثون؟ فقال: نعم, قال: إن تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا, فرحم الله من أحيى أمرنا»
4. «قال الرضا (عليه السلام): من جلس مجلساً يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب»
أن مجرد قراءة زيارة عاشوراء الكريمة هو وسيلة من وسائل حفظ الشعائر, لأنها اشتملت على مضامين وألفاظ تحيي واقعة الطف. وواقعة الطف – كما نعلم – لا تنفك عن الدين والشريعة, هذا من جهة. ومن جهة أخرى إن حفظ الدين هو واجب إلهي على كل فرد مسلم ويجب على الجميع السعي لإقامة ما من شأنه حفظ الدين, ومن أبرز مصاديقه إحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام).
8 . أن زيارة عاشوراء – بغض النظر عن سندها – مشمولة بعموم أدلة استحباب زيارة الحسين (عليه السلام), وكذلك أيضاً فهي داخلة تحت عمومات « من بلغ …». وحتى لو افترضنا وجود خدشة في سندها, يمكن إثبات الثواب لقارئها عن طريق اللطف الإلهــي بعباده كمـا نصت على ذلك أخبـار «من بلغ …». وأخبار من بلغ هي مجموعة من الروايات المنقولة عن الأئمة (عليهم السلام) وقد جمع تحت عنوان «أخبار من بلغ» منها هذا الخبر الشريف عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: « من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله لم يقله»
وظاهر هذه الرواية وأمثالها أنها تُخبر عن ثبوت اللطف الإلهي بعباده وإنه تعالى يثيبهم على أعمالهم بقطع النظر عن الحكم الواقعي لتلك الأعمال, فمن عمل عملا رجاء ثواب الله فإنه سوف لن يُحرم ذلك الثواب. ومن هذا القبيل الروايات الواردة في مسجد الكوفة. فإن فضيلة مسجد الكوفة وشرفه من المسلّمات كما نصت على ذلك الروايات الصحيحة. ويكفي هذا المسجد فضلا انه المكان الذي تعبد به كثير من الأنبياء والأئمة المعصومين (عليهم السلام). وإنما وردت روايات متعددة تختلف في تحديد حجم الثواب الذي أعدّه الله لكل ركعة صلاة تؤدى في هذا المسجد. وموارد كهذا المورد تشملها روايات «من بلغ …» فالله تعالى يكتب لعباده الثواب والأجر للطفه وتفضّله عليهم. وهكذا بالنسبة إلى زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) فهي من أفضل الأعمال كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة. ولو تنزلنا وقلنا بعدم تمامية السند لهذه الزيارة الشريفة فإنها مشمولة بعمومات «من بلغ…» والثواب الذي تحدثت عنه رواياتها سيكتبه الله لقارئيها بلطفه ومنّه.
والنتيجة أن الثواب الموعود مستتبع لقراءة زيارة عاشوراء برجاء المطلوبية.
9. ومما يكشف عن عظمة هذه الزيارة ومكانتها هي المكاشفات التي وقعت لبعض أجلاء الشيعة. ينقل المحدث النوري في كتابه «النجم الثاقب» عن تاجر من مدينة رشت اسمه السيد احمد بن السيد هاشم الرشتي (رحمه الله) انه قال: «عزمت على أداء وظيفة الحج وزيارة بيت الله الحرام في سنة 1280 هـ فسافرت من مدينة رشت إلى مدينة تبريز ونزلت في بيت الحاج صفر علي وهو من التجار المعروفين. ولم تكن في وقتها قافلة متوجهه إلى الحج ولذلك كنت متحيرا أبحث عن وسيلة للسفر. إلى أن قام الحاج جبار – الذي هو من أصحاب القوافل المعروفين من أهل سيده التابع لمحافظته إصفهان برحلة تجارية وانضممت أنا إلى قافلته وتحركنا. وفي احد البيوت التي نزلنا بها في تركية أثناء رحلتنا, جاء الحاج جبار وقال: أن هذا المنزل الذي نحن فيه مشبوه ومخيف. ولذا استعجلوا في اللحاق بالركب إذ إننا كنا متأخرين عن القوافل الأخرى في كل منزل نزلنا به, فتحركنا قبل الصبح بساعتين ونصف أو ثلاث ساعات. وحينما ابتعدنا عن المنزل بمقدار نصف فرسخ أو ثلاثة أرباع الفرسخ اظلمّ الجو وبدأت الثلوج بالتساقط, حتى اضطر الركاب إلى تغطية رؤوسهم والإسراع في الحركة, وكلما حاولت أن الحق بهم لم أتمكن, حتى ابتعدوا عني وبقيت وحدي, فنزلت من فرسي وجلست على جانب الطريق. كنت مرتبكا جدا لأنني أحمل معي مبلغا من المال قدره 600 تومانا, ولذا قررت أن أبقى في نفس المكان لحين طلوع الشمس, على أن ارجع عند الصباح إلى المنزل السابق حتى أجد الدليل وألتحق بالقافلة. وفجأة رأيت أمامي بستانا, ورأيت فيه فلاحا يمسك مجرفة ويجرف بها الثلوج عن الأشجار, وحينما رآني اقترب مني وقال: من أنت؟ فأجبته قائلاً: ذهب أصحابي وبقيت وحدي في هذه الصحراء لا اعرف من أين طريقي. فقال لي باللغة الفارسية: صلِ صلاة الليل حتى تجد الطريق. فبدأت بالصلاة والدعاء, وبعد أن انتهيت من العبادة جاءني مرة أخرى وقال لي: لم تذهب إلى الآن؟ فقلت له: أقسم بالله تعالى إني اجهل الطريق. فقال لي: اقرأ زيارة الجامعة. وأنا لم أكن أحفظ زيارة الجامعة وإلى الآن فإنني لا أحفظها ولكن وقفت في ذلك الوقت وقرأتها عن ظهر قلب. فجاءني مرة أخرى وقال: لم تذهب إلى الآن؟ فبكيت بغير اختياري وقلت له: إني أجهل الطريق. فقال لي: اقرأ زيارة عاشوراء. وأنا لم أكن قد حفظتها والى الآن فإني لا أحفظها ولكنني في ذلك المكان قرأتها عن ظهر قلب مع اللعن والسلام ودعاء علقمة. وجاءني مرة ثالثة وقال: لم تذهب إلى الآن؟ فقلت: لا. حتى انبلج الصبح, فقال لي: أنا سألحقك الآن بإحدى القوافل, فركب حمارا ووضع مجرفته على كتفه ثم قال لي: اركب معي, فركبت وأخذت عنان فرسي ولكنه أبى أن يتحرك, فقال لي الرجل: ناولني عنان الفرس, فناولته إياه, فوضع المجرفة على كتفه الأيسر وأخذ عنان الفرس بيده اليمنى وتحركنا ومشى الفرس معنا طائعا, ثم وضع الرجل يده على ركبتي وقال لي: لماذا لا تصلي صلاة الليل؟ وردد ثلاثا: النافلة, النافلة, النافلة. ثم قال: لماذا لا تقرأ زيارة عاشوراء؟ عاشوراء, عاشوراء, عاشوراء. ثم قال: لماذا لا تقرأ الزيارة الجامعة؟ الجامعة, الجامعة, الجامعة. فقال لي ونحن على تلك الحال: هؤلاء هم أصحابك نزلوا إلى حافة النهر يتوضئون لصلاة الصبح. فنزلت من الحمار لأصعد فرسي فلم أتمكن, فنزل هو وأثبت مجرفته في الثلج, وأركبني على فرسي وأرجعني إلى أصحابي. في تلك الساعة بدأت أتأمل وأتساءل: من هو يا ترى ذلك الشخص؟ وكيف يتكلم اللغة الفارسية والحال انه لا توجد لغة هناك غير اللغة التركية؟ ولم يكن هناك دين في الغالب غير المسيحية؟ كيف أوصلني بهذه السرعة إلى أصحابي؟ التفتُّ خلفي فلم أجد أحدا, ولا أثراً عن ذلك الرجل, وعندها التحقت بأصحابي.
10. لقد اهتم العلماء الكبار بهذه الزيارة المباركة على طول التاريخ, حتى كأنهم اتفقوا على آثارها وبركاتها, وأصروا على قراءتها بشكل يومي. ولا شك أن زيارة كهذه لا تحتاج إلى دراسة لسندها.
11. لقد نُقلت زيارة عاشوراء منذ عشرة قرون والى اليوم في كتب العلماء الأجلاء من حماة الشريعة المقدسة, وهذا بنفسه دليل على اعتبار هذه الزيارة الشريفة. ويمكننا الإشارة إلى بعض هذه المصادر:
1- كامل الزيارات, لابن قولويه القمي (رحمه الله), من علماء القرن الرابع.
2- مصباح المتهجد, للشيخ الطوسي (رحمه الله), من علماء القرن الخامس.
3- المزار الكبير, لمحمد بن جعفر المشهدي(رحمه الله), من علماء القرن السادس.
4- مصباح الزائر, للسيد علي بن موسى بن طاووس(رحمه الله), من علماء القرن السابع.
5- فرحة الغري, للسيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس(رحمه الله), من علماء القرن السابع.
6- منهاج الصلاح, للعلامة الحلي (رحمه الله), من علماء القرن الثامن.
7- المزار, للشهيد الأول (محمد بن مكي العاملي (رحمه الله)), من علماء القرن التاسع.
8- البلد الأمين, للعلامة تقي الدين إبراهيم الكفعمي (رحمه الله), من علماء القرن العاشر.
9- «بحار الأنوار», و«تحفة الزائر», للعلامة المجلسي (رحمه الله), من علماء القرن الحادي عشر.
12. أن زيارة عاشوراء زيارة مجربة في رفع المشاكل وقضاء الحوائج, ولها آثار عجيبة في هذا المجال, وهذا اقتضى أن يكون لهذه الزيارة المباركة مكانة خاصة عند علماء الدين الكبار والمؤمنين الأجلاء. وهذا بحد ذاته دليل قاطع على صحة هذه الزيارة. وللوقوف على عظمة هذه الزيارة يمكن الرجوع إلى قصة وردت في كتاب: «الكلام يجر الكلام» للمرحوم الحاج السيد أحمد الزنجاني (رحمه الله) حيث ينقل عن آية الله الحاج الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي (رحمه الله) انه قال: « في أحدى الليالي في سامراء كنا جالسين على السطح ندرس أنا والمرحوم آقا ميرزا علي (نجل الميرزا الشيرازي) والسيد محمود السنگلجي (رحمه الله) عند الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمه الله) ووفي اثناء الدرس جاء أستاذنا المعظم المرحوم السيد محمد الفشاركي (رحمه الله) وقد بدت على وجهه آثار الحزن والألم, وكان واضحا أن السبب في تألمه هو ظهور الوباء في مدينة سامراء. فقال لنا: هل تعتقدون باجتهادي؟ فقلنا: نعم. فقال: وعدالتي؟ قلنا: نعم. فقال: إنني أوجب على كل رجل وامرأة من شيعة سامراء أن يقرءوا زيارة عاشوراء مرة واحدة بالنيابة عن أم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) نرجس خاتون, ويتوسلوا بهذه السيدة الجليلة إلى ولدها العظيم وتستشفع به ليدعو الله تعالى حتى يرفع البلاء عن شيعة سامراء. فامتثل الناس لهذه الفتوى وقرءوا زيارة عاشوراء بتلك النية, وكانت النتيجة أن لم يمت أي شخص من شيعة سامراء, في الوقت الذي كان يموت كل يوم خمسة عشر نفرا من غير الشيعة.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع البلايا التي كانت ترد بعد ذلك كانت تتجه إلى العامة؛ مما حدا بالبعض منهم إلى أن يلتفت إلى أحقيّة المذهب الشيعي ويدخل فيه.
لا توجد تعليقات.