وهنا مسائل أربع
(الأولى) اللعب بالآلات مع العوض، ولا ينبغي الريب في حرمته وحرمة العوض، ويكفي في اثبات حرمة اللعب قوله عزّ من قائل: «انّما الخمر والميسر“» حتى إذا قلنا بأنّ المراد بالميسر هو الآلات لانفس المقامرة، حيث إنّ تحريم تلك الآلات معناه المنع عن اللعب بها بالعوض أو مطلقاً كما لا يخفى، كما يكفي في حرمة العوض وعدم صيرورته ملكاً للغالب، قوله سبحانه: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» حيث إنّ ظاهر الأكل كما تقدم التملك ووضع اليد، ومقتضى النهي عنه ـ كالنهي عن سائر المعاملات ـ هو الفساد والحاصل أنّ اللعب بالآت القمار بداعي تملك العوض أمر محرم، ويكون أخذ العوض بازاء غلبته في اللعب اكلاله بالباطل.
(الثانية) اللعب بالآت القمار بلا عوض، والأظهر في هذه الصورة حرمة اللعب، كما هو مقتضى ظاهر صحيحة زيد الشحام قال: «سألت أباعبداللّه (ع) عن قول اللّه عزّ وجلّ: «فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور» قال: الرجس من الأوثان الشطرنج، وقول الزور الغناء» ورواية السكوني عن أبي عبداللّه (ع)، قال: «نهى رسول اللّه (ص) عن اللعب بالشطرنج والنرد» ونحوهما غيرهما. ودعوى ـ انصارف مثلهما إلى ما إذا كان في اللعب عوض ـ لا يمكن المساعدة عليها، حيث إنّ اللعب بهما من غير عوض ليس بأمر نادر. لتكون ندرته منشأ له. نعم لا يمكن الاستدلال على حرمة هذا اللعب بما ورد في حرمة القمار، لا من جهة الانصراف الذي ذكره المصنف «ره» فانّه قابل للمنع، بل لعدم احراز صدق القمار على اللعب بها من دون تعيين عوض للغالب.
ثمّ إنّه «ره» فرق بين رواية السكوني وبين رواية أبي الربيع الشامي عن أبي عبداللّه (ع) قال: «سئل عن الشطرنج والنرد، فقال: لا تقربوهما» وذكر أنّ دعوى الانصراف في الأولى قريبة، وفي هذه بعيدة، ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّه إذا كانت كثرة الافراد موجبة للانصراف في الطبيعي، لكانت كثرة افراد القرب إلى الآلات المزبورة أيضاً موجبة للانصراف في لفظ معنى القرب المضاف إلى تلك الآلات. وذكر بعد ذلك أنّ الأولى الاستدلال على حرمة اللعب في هذه الصورة برواية تحف العقول من قوله: «ما يجيء منه الفساد محضاً لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات» وبما في تفسير القمي عن أبي الجارود في قوله تعالى: «انّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون» قال: «أمّ الخمر فكل مسكر من الشراب ـ إلى أن قال: ـ امّا الميسر فالنرد والشطرنج وكل قمار ميسر. وامّا الانصاب فالأوثان التي كان يعبدها المشركون. وامّا الازلام، فالاقداح ـ إلى أن قال: ـ كل هذا بيعه وشراؤه والانتفاع بشيء من هذا حرام من اللّه ورجس من عمل الشيطان».
(لا يقال) القمار في هذه الرواية منصرف إلى ما إذا كان في اللعب رهن (فانّه يقال) ليس المراد معناه المصدري لتتم دعوى الانصراف، بل المراد آلاته بقرينة قوله. وكل هذا بيعه وشراؤه وبقرينة قوله قبل ذلك: (أمّا الميسر فهو النرد) حيث إنّ النرد اسم للالة، كما أنّ البيع، والشراء يتعلق بالآلات لا باللعب.
(اقول) لا يخفى ما فيه، فان رواية تحف العقول ـ كما ذكرنا مراراً ـ لا تصلح للاعتماد عليها، مع أنّ كون الآلات ممّا يجيء منها الفساد المحض أول الكلام، فانّه إذا جاز اللعب بها بلا عوض ورهن لا يكون فيها الفساد المحض. وأمّا رواية القمي فمع الاغماض عن ضعف سندها بالقطع، فيأتي فيها ما ذكره في الروايات السابقة من دعوى الانصراف، لا في قوله (وكل قمار ميسر) حتى يقال أنّ القمار فيه ليس بمعناه المصدري، بل الانصراف في قوله: (والانتفاع بشيء من هذا حرام) حيث إنّ الانقطاع بها ينصرف إلى فرده الشايع وهو اللعب مع العوض..
لا يخفى أنّ الرهن والعوض وإن لم يكن دخيلاً في كون اللعب بالآلات لهو وباطلا، إلاّ أنّه لا دلالته لتلك الروايات على الحرمة، لأنّ مطلق الباطل والاشتغال عن ذكر اللّه لا يكون محرماً، ولذا جعلها «ره» مؤيدة للحكم.
(الثالثة) ما إذا كان اللعب بغير الآلات المعدة، ولكن مع الرهن على اللعب، ويظهر من كلمات جماعة في باب السبق والرماية عدم الخلاف في حرمة هذا اللعب تكليفاً كما يكون فاسداً، حيث قالوا: إنّه لا خلاف. في حرمة السبق بغير المنصوص إذا كان فى البين عوض. وأمّا إذا لم يكن عوض ففي حرمة السبق خلاف وظاهر ذلك أنّ مورد الخلاف هنا ـ أي فيما إذا لم يكن في البين عوض وهي الحرمة تكليفاً ـ مورد الوفاق هناك، أي فيما إذا كان في البين عوض، فانّ الفساد يعني الحكم الوضعي لا يمكن كونه مورد الخلاف مع فرض عدم العوض في البين. وكيف كان فيلتزم في المقام بحرمة اللعب تكليفاً وفساده وضعاً، أي عدم صيرورة العوض ملكاً للغالب، ويقال في وجهه أمور.
(الأول) إنّ اللعب مع الرهن قمار، كما يفصح عن ذلك رواية العلاء بن سيابة عن أبي عبداللّه (ع) «أنّ الملائكة تحضر الرهان في الخف والحافر والريش، وماسوى ذلك فهو قمار حرام» وفيه أنّ الرواية لضعف سندها لا يمكن الاعتماد عليها. والأخذ باطلاق القمار في بعض الروايات يحتاج إلى اثبات عدم دخل الآلات في صدقة.
(الثاني) مرسلة الصدوق «ره» قال: «قال الصادق (ع): إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان، وتلعن صاحبه ماخلا الحافر والريش والنصل»
(الثالث) بما في تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا (ع)، قال: «سألته عن الميسر قال: الثقل من كل شيء، قال: والثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم» ولا يخفى أنّ مفاده حرمة العوض في كل رهان لا حرمة نفس الرهان واللعب تكليفاً، اضف إلى ذلك ضعفه سنداً وعدم كونه صالحاً للاعتماد عليه.
(الرابع) صحيحة معمر بن خلاد عن أبي الحسن (ع)، قال: «النرد والشطرنج والأربعة عشر بمنزلة واحدة، وكل ما تقومو عليه فهو ميسر» ولا يخفى أنّ العموم فيها أيضاً باعتبار العوض في القمار.
(الخامس) رواية جابر عن أبي جعفر (ع)، قال: «قيل يا رسول اللّه ما الميسر؟ فقال كل ما تقومو به حتى الكعاب والجوز» (لا يقال) ضعف السند في بعض هذه الروايات منجبر بالشهرة ونفي الخلاف على ما تقدم، (فانّه يقال) لم يعلم استناد المشهور في التزامهم بالحرمة والفساد إلى هذه الروايات، بل لعلهم استفادوا الحكم ممّا ورد في حرمة الميسر والقمار تكليفاً ووضعاً أو استفاد بعضهم ممّا ورد من نفي السبق في غير الثلاثة، بدعوى أنّ المستفاد من النفي المزبور في غيرها، حرمته.
فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار[۱].
[۱] الأظهر في المقام حرمة اللعب تكليفاً وفساده وضعاً، بمعنى عدم دخول العوض في ملك الغالب في اللعب ويشهد لذلك ما رواه الصدوق «ره» باسناده عن العلاء بن سيابة، قال: «سألت أباعبداللّه (ع) عن شهادة من يعلب بالحمام؟ قال: لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق، قلت: من قبلنا يقولون، قال عمر هو شيطان، فقال: سبحان اللّه أمّا عملت ان رسول اللّه (ص) قال: إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ماخلا الحافر والخف والريش والنصل، فانّها تحضرها الملائكة“»وسند الصدوق إلى العلاء بن سيابة ـ كما ذكر في مشيخة الفقيه ـ صحيح، والعلاء أيضاً لا بأس به، فانّه من مشايخ ابن أبي عمير، وذكر الشيخ «ره» في عدته أنّهم ثقات. وأمّا دلالتها على حرمة اللعب مع العوض فلأنّها مقتضى لعن الملائكة صاحب الرهان، فانّ اللعن وإن امكن أن يراد منه معنى يناسب كراهة الفعل أيضاً، كما في لعن رسول اللّه (ص) آكل زاده وحده، والنائم في بيته وحده، والراكب في الفلاة وحده، إلاّ أنّ ظاهره مع عدم القرينة على الخلاف حرمة الفعل، وإذا كان نفس اللعب مع الرهن محرماً، كان أخذ الغالب العوض فاسداً، حيث إنّه من أخذ العوض على اللعب المحرم. هذا مع أنّه لا يبعد صدق القمار على اللعب المزبور،
حيث إنّ اسناد الآلات إلى المقاء كإسناد سائر الآلات إلى سائر الأفعال، كآلات القتل والفتح والقرض إلى غير ذلك وكما أنّه لم تؤخذ الآلات في مفاهيم تلك الأفعال، كذلك لم تؤخذ الآلة في مفهوم القمار. ويؤيد ذلك ملاحظة كلام اللغويين. وما تقدم مثل رواية جابر الدالة على أنّ الميسر كل ما تقومو به حتى الكعاب والجوز، حيث لا يعد الكعاب والجوز من آلات القمار. نعم لابدّ في صدق القمار من كون الفعل الذي عين العوض على الغالب فيه لعباً. فلا يطلق القمار بمعناه الظاهر عند العرف على بعض الأفعال التي لا تعد من اللعب، حتى فيما إذا عين للغالب فيها عوض كالمسابقة على النجارة أو البناية أو الكتابة ونحوها من الصناعات، ولكن عدم صدقه عليها لا يمنع عن الالتزام بحرمة الرهان فيها أيضاً، على ما استظهرناه من رواية العلاء ابن سيابة.