كيف يشهد الله على وحدانيّته؟

قال تعالى: ﴿شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ آل عمران:۱۸٫

المقصود من شهادة الله هو الشهادة العملية والعقلية، لا الشهادة اللفظية.

أي أنّ الله بخلقه عالم المخلوقات الذي يسوده نظام موحّد، وتتشابه قوانينه في كلّ مكان، وتجري وفق برنامج واحد، لتكوّن “وحدة واحدة” و “نظاماً واحداً”، قد أظهر عملياً أنّ الخالق والمعبود في العالم ليس أكثر من واحد، وأنّ كلّ شيء ينطلق من ينبوع واحد. وعليه فإنّ خلق هذا النظام الواحد شهادة ودليل على وحدانيّته.

أمّا شهادة الملائكة والعلماء، فهي شهادة لفظية، فهم بالتعبير اللفظي الذي يناسبهم يعترفون بهذه الحقيقة. أنّ هذا اللون من التفكيك في الآيات القرآنية كثير ففي هذه الآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً﴾ الأحزاب:۵۶، لا شكّ أنّ صلاة الله على النبيّ ﴿صلى الله عليه وآله وسلم﴾ غير صلاة الملائكة عليه، فصلاة الله هي إرسال الرحمة، وصلاة الملائكة هي طلب الرحمة.

بديهيّ أنّ لشهادة الملائكة والعلماء جانبها العملي أيضاً، ذلك لأنّهم لا يعبدون سواه، ولا يخضعون لمعبود غيره.

ما معنى القيام بالقسط؟

إنّ عبارة ﴿قائماً بالقسط) حال من فاعل “شهد” وهو “الله”. أي أنّ الله يشهد بوحدانيّته في حالة كونه قائماً بالعدالة في عالم الوجود. وهذا في الحقيقة دليل على شهادته، لأنّ العدالة هي إختيار الطريق الوسط والمستقيم، بمعزل عن كلّ إفراط وتفريط وانحراف. ونعلم أنّ الطريق الوسط المستقيم لابدّ أن يكون طريقاً واحداً، كما نقرأ في الآية ۱۵۳ من سورة الأنعام ﴿وأنّ هذا صراطي مستقيماً فاتّبعوه ولا تتّبعوا السُبُل فَتَفَرَّقَ بِكم عن سبيلهِ﴾.

تقول هذه الآية إنّ طريق الله واحد، بينما طرق المنحرفين والبعيدين عن اللهمتعدّدة ومتناثرة، وذلك لورود الصراط المستقيم بصيغة المفرد، وسُبل المنحرفين بصيغة الجمع.النتيجة هي أن “العدالة” تصاحب “النظام الواحد”، والنظام الواحد دليل على “المبدأ الواحد”. وبناءً على ذلك فإنّ العدالة بمعناها الحقيقي في عالم الخلق دليل على وحدانية الخالق..۱

۱- الأمثل في تفسير الكتاب المنزل الجزء الثاني / صفحة -۴۲۶٫