أخذ الأجرة على عمل لا يجتمع مع قصد التقرب بذلك العمل، سواء كانت عبادة واجبة أو مستحبة، وفرع على ذلك عدم جواز أخذ الأجرة على الاذان، فانّه لانتفاع الغير به كاحراز دخول الوقت، أو الاكتفاء به في الصلاة، يقع مورد الاجارة، ولكن بما أنّه من قبيل العبادة، فلا يصح أخذ الأجرة عليه، حتى فيما إذا كان للاعلام فقط، بناءاً على أنّ أذان الاعلام أيضاً كاذان الصلاة من العبادة، بمعنى أنّ الاعلام بدخول الوقت مستحب كفائي، ولا يحصل هذا الاعلام إلاّ بالأذان الواقع بنحو العبادة.
وبعبارة أخرى لا يصح الاعتماد عليه في دخول الوقت إلاّ فيما وقع على نحو العبادة، ولا يكون طريقاً معتبراً إلى دخولها في غير هذه الصورة، ويذكر في المقام روايات يستظهر منها عدم جواز أخذ الأجرة عليه، كموثقة زيد بن علي عن آبائه عن علي (ع) «أنّه أتاه رجل، فقال له: واللّه إنّي أحبك للّه، فقال له: ولكنّي أبغضك للّه، قال: ولم؟ قال: لأنّك تبغى في الاذان وتأخذ على تعليم القرآن أجراً»وفي سندها عبداللّه بن منبة والظاهر أنّه اشتباه من النساخ. والصحيح منبه بن عبداللّه. وقد ذكر النجاشي أن حديثه صحيح، ووجه الصحة كون الراوي عنه محمد بن الحسن الصفار الذي يروي عن المنبه في سائر الروايات ولكن في دلالتها على عدم الجواز تأمل، فان بغضه (ع) يمكن لاستمراره على الكراهة، ويشهد لها ما في ذيلها (وسمعت رسول اللّه (ص) يقول من أخذ على تعليم القرآن أجراً كان حظه يوم القيمة: فان التعليل يناسب الكراهة كما لا يخفى.
وعن السيد الخوئي طال بقاه أن دلالتها على المنع بضميمة ا ورد من أنّه (ع) لا يبغض الحلال، وفيه أنّه لم أظفر على رواية معتبرة يكون ظاهرها ذلك. نعم ورد في روايات الربا أنّه (ع) كان لا يكره الحلال، وظاهرها خلاف المقطوع، فإنّه (ع) كان يكره المكروهات الشرعية قطعاً، مع كونها محلّلة. وحسنة حمران الواردة في فساد الدنيا وفيها قال (ع): «ورأيت الأذان بالأجر والصلاة بالأجر»
وفيه أنه لا دلالة لها أيضاً على المنع، بل ولا دلالة على الكراهة، فإنّها في مقام بيان علامة فساد الأرض، لا بيان موجبات فسادها، ويمكن كون الحلال المخصوص علامة لفسادها، كقوله (ع) فيها: «ورأيت المؤمن صامتاً لا يقبل قوله» فإنّ صمت المؤمن مع عدم قبول قوله لا يكون حراماً، بل ولا مكروها. وروايتي محمد بن مسلم والعلاء بن سيابة عن أبي جعفر (ع)، قال: «لا تصلّ خلف من يبتغي على الأذان والصلاة أجراً، ولا تقبل شهادته»، ولا بأس بدلالتهما على المنع فإنّ الحكم بفسق آخذ الأجر على الأذان أو الصلاة المراد بها الإمامة لا يكون إلا مع حرمة الفعل أو بطلان المعاملة، إلا أنهما ضعيفتان سنداً. وإن وصف السيد اليزدي «ره» رواية محمد بن مسلم بالصحيحة، والأظهر أنه لا بأس بأخذ الأجرة على الأذان وتعليم القرآن، لعدم المنافاة بين أخذ الأجرة على عمل، وكونها عبادة مع أن تعليم القرآن ليس من العبادة والروايات، كما مرّت ضعيفة سنداً أو دلالة، ولكن الأحوط الترك، والله سبحانه هو العالم.
ومن هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام[۱].
وأما ما ذكرمن أن الانتفاع بالإمامة موقوف على تحققها بقصد الاخلاص إذ المأموم لا يجوز له الاقتداء إلا بإمام تكون صلاته صحيحة، وقصد الاخلاص لا يجتمع مع أخذ الأجرة، فلا يمكن المساعدة عليه، فإنّ ما يفيد الغير في المقام هي صحة صلاة الإمام، حتّى يقتدى بصلاته. وأما كون إمامته بالقربة، فلا يعتبر في جواز الاقتداء وعلى ذلك فلو كان المكلف بحيث يأتي بالصلاة بداعي الأمر بها ولو منفرداً، ولا يأتي بها حتى مع إعطاء الأجرة عليها لولا أمر الشارع بها، فيكون أخذ أجرته على خصوصية صلاته لا على أصلها، وتلك الخصوصية لم تؤخذ في متعلق الأمر بالطبيعة، فلا بأس بذلك الأخذ، غاية الأمر لا يثاب على إمامته، فتدبّر