قد عبّر في بعض الروايات المعتبرة عن الغيبة بأكل لحوم الناس، كما في صحيحة أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: قال رسول اللّه (ص): «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه» فإنّ إطلاق أكل اللحم على الغيبة في قوله «وأكل لحمه معصية» بالنظر إلى الدنيا، حيث أنّها دار المعصية ووعاء العصيان، ورواية نوف البكالي ـ مضافاً إلى ضعف سندها ـ لا دلالة لها على تعيين غذاء المغتابين بالكسر يوم القيامة. ولعلّ كلاب النار غيرهم.
وقوله تعالى: «ويل لكلّ همزة لمزة».
لا يخفى أنّ الهمز أو اللمز ذكر العيب وتنقيص الآخر في حضوره أو غيابه والغيبة إظهار عيب أخيه المستور عليه، فتكون النسبة بينها وبين المراد من الهمز أو اللمز العموم من وجه، فإنّه ربما يكون التنقيص بذكر عيبه الظاهر، فلا تكون غيبة. وربما يكون إظهار عيبه المستور عليه بداع آخر غير هتكه وتنقيصه، فلا يكون همزاً ولمزاً، وقد يجتمعان ولا يصحّ جعل الدليل على حرمة أحد العنوانين كذلك دليلاً على حرمة الآخر.
وقوله: «إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة».
لا يخفى أنّ إضافة الشياع إلى شيء قابل للكثرة والتكرار، ظاهرها كثرته وجوداً لا بيانه وإظهاره، فالآية المباركة ظاهرها حرمة دعوة المؤمنين وتحريضهم إلى الفواحش في مقابل نهيهم عن المنكرات. نعم في صحيحة محمد بن حمران دلالة على عموم الآية للغيبة أيضاً، حيث قال فيها أبو عبداللّه (ع): من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسمعته أُذناه، فهو من الذين قال اللّه عزّ وجلّ: «إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الّذين آمنوا لهم عذاب أليم»، ولكنّ الاعتماد عليها خارج عن الاستدلال بالآية.
بل أشدّ من بعضها.
لا يخفى كون الغيبة أشدّ من كبيرة في الوزر، وإن كان مقتضاه أنّها أيضاً من الكبائر، إلا أنّ كونها أشدّ من كبيرة في التخلّص عن وزرها لا يقتضي ذلك، كما إذا كانت الغيبة من حقوق الناس وحرمة شرب الخمر من حقوق اللّه، فالتخلّص عن وزر شرب الخمر يكون بمجرّد التوبة، بخلاف وزر الغيبة، فمثل هذه الأشدّية لا تقتضي أن تكون الغيبة من الكبائر، والمروي ـ عن النبي (ص) بعدّة طرق انّ «الغيبة أشدّ من الزنا» ـ ناظر إلى مرحلة التخلّص عن الوزر، كما هو مفاد ذيله من قوله: «إنّالرجل يزني فيتوب“».
نعم روي أنّ الغيبة أشدّ من ستة وثلاثين زنية، وذكر العدد ظاهره النظر إلى العقاب، وإلا لكان الأنسب أن يقول (الغيبة أشدّ من الزنا) ولكنه نبوي مرسل لا يمكن الاعتماد عليه، بل لو كان حديثاً صحيحاً، لكان اللازم تأويله لو لم يمكن طرحه، للجزم بأنّ الغيبة لا تكون أشدّ حرمة ووزراً من زنية واحدة، فضلاً عن الثلاثين. ولذا لو أُكره على الزنا أو الغيبة تعيّن اختيارالثاني، وذكرنا نظير ذلك فيما ورد من أنّ درهم ربا أشدّ من سبعين زنية كلّها بذات محرم.
نعم يستفاد كون الغيبة كبيرة من صحيحة محمد بن حمران المتقدمة، حيث أنّ ظاهرها شمول ما أوعد اللّه عليه العذاب للغيبة أيضاً، وآية «ويل لكلّ همزة لمزة» وقوله سبحانه: «إنّ الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة» أنّ الويل والوعيد بالعذاب على عمل في الكتاب المجيد ملاك كون ذلك العمل من الكبائر.