لماذا لا نجد ذكرا لزيارة عاشوراء في…

لماذا لا نجد ذكرا لزيارة عاشوراء في المجاميع الحديثية عند الشيعة؟ كانت المجاميع الحديثية الشيعية مصدرا يرجع إليه الجميع حتى أهل العامة؛ ولذا كان مسلك المحدثين الكبار هو اجتناب التعرض للأحاديث التي تتعارض مع التقية ( خصوصاً وأن الشيعة تعرّضوا للظلم وضغط الحكّام على طول الخط) ولذا فإن المصادر الحديثية لم تتعرض لزيارة عاشوراء, وإنما ذُكرت هذه الزيارة المباركة في كتب الأدعية فقط؛ إذ لم تكن هذه الكتب بيد أحدٍ من غير الشيعة. وبناءاً على هذا فإن عدم وجود زيارة عاشوراء في الكتب القديمة للشيعة ليس معناه أن هذه الزيارة لم تكن موجودة وقد اختلقت في زمان متأخر, بل أنها لم تذكر لأن الحكومات الظالمة بعد رحيل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) استغلت قدرتها وسلطتها ولقرون مديدة لمنع الشيعة من نشر معتقداتها وبيان رأيها. وقد تعرضت المكتبات الشيعية للهجوم والإحراق مرارا وتكرارا من قبل المخالفين لخط أهل البيت (عليهم السلام).

ولهذا قام العلماء الكبار بجهود جبارة وتحمَّلوا المشاق العسيرة متسلحين بالتقية على اختلاف العصور فاستطاعوا في النتيجة أن يحفظوا ويدوّنوا لنا مباني الشيعة الحديثية. والتي كان أولها أربعمئة أثر عرفت فيما بعد بـ «الأصول الأربعمائة». وأصحاب الأئمة (عليهم السلام) هم من قام بتدوين هذه المجموعة, التي تحتوي على أحاديث الأئمة (عليهم السلام) في مختلف المواضيع. ولكن بمرور الزمان وبسبب الهجمات التي تعرضت لها المكتبات الشيعية ضاع أكثر هذه الأصول الأربعمائة ولم يبق لنا منها اليوم إلا ستة عشر أصلا, كما نصّ على ذلك المحدّث النوري (رحمه الله) في خاتمة كتاب « مستدرك الوسائل». ومن بعد ذلك وبسعيٍ من الأعلام تم تدوين الكتب الأربعة التي هي : الكافي, التهذيب, الاستبصار, من لايحضره الفقيه. والتي تعتبر المصدر الأساسي الذي يرجع إليه كبار علماءنا.

ومنذ أن غصبت الخلافة وتخلّف القوم عن أوامر الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وهجموا على بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) وأقعدوا إمامنا علي بن أبي طالب (عليه السلام) في بيته وأبعدوا أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحقيقيين. منذ ذلك الوقت بدأ الضغط على الشيعة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) يزداد يوما بعد يوم من قبل الخط المخالف, وضيقوا الخناق على الشيعة أكثر فأكثر. وفي الشام التي هي أبعد نقطة في رقعة الخلافة الإسلامية, هناك استولى الأمويون (لعنهم الله) على السلطة, وأمروا بأن يُلعن الخليفة الشرعي لرسول الله (صلى الله عليه وآله) من على المنابر. وحينما قتل القوم فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت الرسول (صلى الله عليه وآله) وبضعته وقتلوا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وصي رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالحق؛ استطاع الأمويون أن يُنزلوا بالإسلام شتى أنواع المصائب والبلاء, حتى وصل بهم الأمر أن يقتلوا ريحانتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين ‘ بأفجع قتلة وأمرّها.

يقول الإمام الباقر (عليه السلام) :« لم نزل أهل البيت نستذل و نستضام و نقصى و نمتهن و نحرم و نقتل و نخاف و لا نأمن على دمائنا و دماء أوليائنا … و كان عظم ذلك و كبره زمن معاوية بعد موت الحسن ع فقتلت شيعتنا بكل بلدة و قطعت الأيدي و الأرجل على الظنة و كان من يذكر بحبنا و الانقطاع إلينا سجن أو نهب ماله أو هدمت داره ثم لم يزل البلاء يشتد و يزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين (عليه السلام) » (۱)

وبعد أن انتهى حكم بني أمية, قام بنو العباس (لعنهم الله) بشعاراتهم الكاذبة, وأفكارهم الفاسدة والمنحرفة, فصبوا أنواع البلاء على رؤوس الشيعة. لأنهم كانوا قلقين من أحقيّة المذهب الشيعة ومتخوّفين من استلام الشيعة للسلطة. فقتلوا الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وسمموهم بأوهى الأعذار المختلقة, وسجنوا أصحابهم المقربين أو أبعدوهم وقتلوا كثيرا منهم. واستمر هذا الأسلوب العدائي لقرون عديدة وكان الظلمة يعملون على إتلاف كلما يصل إلى أيديهم من آثار الشيعة . ولكن بقي المذهب الشيعي قائماً ببركة التضحيات التي قدّمها علماؤنا الأبرار, وحماة الدين الحنيف. ودوّنوا لنا المباني الأساسية للتشيع على رغم الصعوبات وعلى رغم التقية, فكان العلماء (رضوان الله تعالى عليهم) يتحركون بطريقة لا تعطي لخصومهم من المخالفين عذرا في القضاء عليهم. فلم يذكروا الأخبار التي تتعارض مع مبدأ التقية ومنها زيارة عاشوراء. ولهذا السبب لم تذكر زيارة عاشوراء إلا في الكتب التي كانت تتداول بين الشيعة فقط. فهذه الزيارة مذكورة بالأساس في كتب الأدعية والتي تعرف بـ (كتب المزار).