نصائحه (قدس سره) العامّة لطلبة العلم

السعادة الاُخرويّة :  إحدى الأسئلة التي كانت توجه إلى الفقيه المقدس الميرزا التبريزي(قدس سره)لا سيما من قبل الطلبة(۳) الشباب هي: كيف نصنع لنكون من الموفقين في حياتنا فنستغل هذه الدنيا ونستفيد منها كامل الاستفادة، وتكون جميع حركاتنا وسكناتنا في رضا الله وأهل البيت(عليهم السلام)؟

وبالرجوع الى أجوبة الفقيه الراحل عن تلك الاسئلة يمكننا الاشارة إلى بعض النكات المستفادة منها وهي كالتالي:

۱ـ الاهتمام بالتكليف الشرعي: فعلى الإنسان ابتداء اعطاء اهمية خاصة لواجباته فيؤدي فروضه على النحو الأحسن، ولا يتهاون في أداءها وهي الخطوة الاُولى لكسب التوفيق والارتباط الغيبي.

۲ـ التورع عن المعاصي: بحيث يجعل من تقوى الله ميزاناً له في أعماله وأقواله، فلا يرتكب المعصية لأجل حطام هذه الدنيا، فربما يقنع الانسان نفسه باقتراف الذنب على أمل الاستغفار والتوبة فيلتجأ إلى الكذب مثلاً والعياذ بالله في حين أن نفس تلك المعصية تسلبه التوفيق وتؤخر تقدمه نحو المكاسب المعنوية، فأن الشيطان في مكمن لكم يحاول أن يعطيكم التبريرات عبر وساوسه حتى يجركم إلى المعصية، فعلى الإنسان أن يطيع أوامر الله بكل اخلاص و لايقدم المكاسب واللذائذ الدنيوية على طاعته.(۴)

۳ـ المحبة الحقيقية لأهل البيت(عليهم السلام): يقول تعالى (وابتغوا إليه الوسيلة)وأهل البيت مصداقها البارز، فهم سفن النجاة، نجا وفاز كل من تعلق بحبلهم وتوسل بهم في الدنيا والآخرة، وكل من أراد أن يكون موفقاً في اُموره (لاسيما الطلاب) فعليه أن يغرس في قلبه المحبة الحقيقية لأهل بيت النبي(صلى الله عليه وآله) ويقف بوجه الذين يلقون بالشبهات من هنا وهناك ليضللوا عوام المؤمنين ويثبت ايمانه واخلاصه ومحبته لهم ليكون قدوة للآخرين يعتبر منه كل من يراه.

۴ـ الابتعاد عن ظلم الآخرين: على الانسان أن يجتنب إلحاق الظلم بالآخرين فإن الامتناع عن ظلم الآخرين له دور رئيسي في نيل التوفيق والكمالات، إن الله يغلق أبواب الرحمة أمام من يظلم الآخرين، ويسلبه التوفيق، وللظلم مراتب; فأحياناً يكون من ايحاءات الشيطان بأن هذا ليس ذنباً مهماً فلا يترك أثراً في حين أن نفس هذا العمل له أثره الوضعي ويجر الانسان نحو الهلاك، فإذا أراد الانسان اكتساب التوفيق عليه أن يترك الاُمور التي يشعر بأن فيها ظلم للآخرين.

والخلاصة: ليشتغل بتربية نفسه ولا يتدخل بشؤون الآخرين.

۵ـ الجدّ في التحصيل: أن يكون الدرس كل همه ولا يغفل عن تقوى الله، على الطالب أن يجدّ في دروسه حتى يكون مؤثراً، إن قيادة المجتمع وهدايته في أيدي طلاب العلم فإن قصّروا في تلقي العلم فإنه اضافة إلى أنهم مسؤولون عن ذلك أمام الله تعالى لن يكون لهم تلك الخدمات المؤثرة في المجتمع، وعليه أن تكون دراسته بحيث كلما انتهى من درس يستطيع إلقاءه، فإذا ما جد في دروسه والتزم التقوى وصل إلى درجة عظيمة يقيناً وسيوفق لخدمة الدين والمذهب.

إن المثابرة في الدرس والجدّ في تلقي العلم والتزام التقوى إلى جانبهم نور إلى سعادة الدنيا والآخرة، والله يزيد من توفيقات عبده المطيع الذي لا قصد له سوى خدمة الدين المجد في دراسته وتهذيب نفسه.(۵)

۶ـ الجليس الصالح: من الاُمور التي لها دور أساسي في البناء الذاتي الجليس الصالح لاسيما لطلاب العلم الذين يريدون أن يكونوا مبلغين لدين الله ومعارف أهل البيت(عليهم السلام)، فالإنسان يفقد روحيته ومعنوياته مع مرور الزمان بمجالسته لرفيق السوء وتزول منه النورانية تدريجاً ثم لا تساعده الفرصة للاستدراك لاقدر الله، لذا عليه أن يشاور المعروفين بتحصيلهم وتدينهم من بداية مشروعه الدراسي في اُموره، إن لم يكن بنفسه من أهل التشخيص فعليه أن يستعين بأهل الفضل، وإن يكون له رفيق من عمره في مباحثته وبقية اُموره، فالإنسان بحاجة إلى رفقاء يمكنهم افادته علمياً اضافة إلى افادته في بذل المشورة والنصيحة ومجالسته لهم أوقات فراغه، وعليه الحذر من صرف أوقاته لا قدر الله في أشياء هامشية لاطائل من ورائها واجتناب الاُمور التي تعتم قلب الانسان وكثرة المزاح ككثرة الملح في الطعام، على الطالب أن يكون كلامه متقن وموزون فلا يتكلم بكل ما يخطر بباله; بل عليه أن لا يتكلم إلا بعد تفكير وانتقاء للكلمات الصالحة، فإذا كان مراقباً لأعماله ملتزماً جانب التقوى فقد ضمن سعادته.(۶)

۷ـ اغتنام الفرص: إن رمز موفقية الإنسان تكمن في اغتنام الفرص، فإذا ما أراد الانسان لاسيما طالب العلم أن يكون له مستقبل موفق عليه ان يستغل جميع الفرص ويستفيد منها «فاغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب».

۸ـ الارتباط الروحي: إذا أراد الانسان أن يكون موفقاً في عمله عليه بداية أن يتقن أداء تكاليفه الشرعية ولا يغفل عن الدعاء والذكر ليقرأ الأدعية المعروفة ولا يتخلف عن قراءة الأذكار التي من جملتها الصلوات والاستغفار.

وعليه أن يقوم ببعض الأعمال لتقوية ارتباطه الروحي كصلاة الليل لكن بشكل تدريجي وذلك حتى لايشعر بالملل والتعب في هذه الأعمال المستحبة التي عليه أن يأتي بها بنشاط وهمة عالية، فاذا ما تدرج بالعمل ولو كان قليلاً فإنه سوف يستمر عليه بينما الإكثار من المستحبات والعجلة فيها يمكن أن تتعب البعض وربما سلبته توفيق الاستمرار على ذلك العمل، فالشاب إذا تدرج في العمل المستحب عليه فانه يكتسب نورانية خاصة، البعض يفرط في أداء المستحبات وقد أثبتت التجربة أنهم لا يوفقون للاستمرار في ذلك وسرعان يتعبون منها ويتركونها.(۷)

۹ـ التوكل: من الاُمور المهمة المؤثرة في رقي الانسان وتقدمه مسألة التوكل، فإذا ما كان العمل خالصاً لوجه الله مقترنا بالتوكل عليه تعالى كان ذلك موجباً لسعادة الدنيا والآخرة، فالإنسان المؤمن المتدين اضافة إلى اخلاصه بالعمل لله عليه أن يطلب أجره منه تعالى وسيتلطف الله به وإن التوكل أفضل غنيمة تعين الإنسان وتوفقه لاكتساب الروحانية وارتقاء الدرجات.(۸)

۱۰ـ التخلق بالأخلاق الحميدة: الابتعاد عن الغرور والتخلق بالأخلاق الحميدة كالتواضع، فعلى الانسان الابتعاد عن الغرور والكبر في جميع مراحل حياته وأن يطلب من الله تعالى بالتوسل بأهل البيت(عليهم السلام) أن لا يقع في فخوخ الشيطان تلك، وأن يجعله من عباده الصالحين الحائزين على رضا امام الزمان(عليه السلام) ببركة التواضع وتقوى الله تعالى، لاسيما الطلاب عليهم أن لا يغتروا بمعرفتهم لعدة مصطلحات علمية بل عليهم أن يجعلوا التقوى نصب أعينهم، ويطلبوا من الله تعالى أن لا يكلهم إلى انفسهم طرفة عين ابداً.(۹)

رضا ولى العصر(عليه السلام)

غالباً ما كان الطلاب الشباب الذين كانوا يقدمون لزيارة الفقيه المقدس الميرزا التبريزي(قدس سره) يسألون الميرزا السؤال التالي:

ماذا يتوجب علينا حتى تكون أعمالنا محط رضا ولي العصر(عليه السلام)؟

لكن الميرزا كان يلاحظ ظاهر هؤلاء الطلبة قبل أي شيء فإذا ما رأى أحدهم لا يتناسب لباسه مع شأنية طالب العلم أو أن شعره كان طويلاً أو أن لحيته من القصر بمكان ابتدأ أولاً وبكل محبة بابداء الملاحظات الظاهرية.

الخطوة الاولى:

فكان مما يقوله(قدس سره): «أولاً عليكم اصلاح الشكل الظاهري، فالواجب عليكم أن يكون تحرككم في المجتمع مختلفاً عن تحرك بقية الشباب، الشعر قصير، لحية متعارفة عند أهل العلم، ولباس مناسب لشان الطلبة»(۱۰). ثم يضيف: «ثم عليه أولاً أن يكون دقيقاً في تكاليفه الشاملة للحلال والحرام ويبتعد عن المسائل اللهوية.

الخطوة الثانية:

عليه أن تكون جميع أعماله لله بمعنى أن لا يقدم على عمل إلا لأجل رضا الله تعالى، ولا يشرك في نيته أي داع آخر غير رضا الله تعالى، فإذا ما كان العمل خالصاً لله فانه سوف يكون ذا نتيجة حسنة وسيجزيه الله على ذلك العمل المخلص ويرفع صاحبه إلى مرتبة أعلى(۱۱).

الخطوة الثالثة:

عليه أن يلتزم الولاء لأهل بيت النبوة(عليهم السلام)ويخلص لهم الولاء والأدب في ساحتهم القدسية ولا يعمل عملاً إلا ولهم فيه رضا، ويبرز لهم محبته باللسان والجنان، ويقف مدافعاً عن ساحتهم وعن مظلوميتهم ويكون مدافعاً حقيقياً عن الدين والمذهب.

الخطوة الرابعة:

التي أكد عليها الميرزا لهؤلاء الطلبة الشباب هي المواظبة على الدرس، فأوجب على الطلاب صرف جميع أوقاتهم لتحصيل الدروس ليتمكنوا من خدمة الدين والمذهب فإذا لم يواظب الطالب على درسه وأمضى يومه بمسائل هامشية فإنه ليس فقط لن يخدم الدين بل أنه سوف يكون وبالاً على الدين والمذهب(۱۲).

الخطوة الخامسة:

والاهتمام بالمعنويات هي النكتة الاُخرى التي أوصى بها الميرزا(قدس سره)فقال: حينما كنا في المدرسة الفيضية كانت المدرسة تعج بالطلبة في منتصف الليل (لاقامة نافلة الليل) بحيث لو أن غريباً دخل منتصف الليل إلى المدرسة لظن من كثرة الطلاب انما هو وقت صلاة الصبح، فقد كان الطلبة ملتزمين بالتهجد واحياء الليل. فعلى الطلبة أن يخطو نحو تحصيل هذه الروحانيات وبناء الروح وان لا يغفلوا عن التوسل باهل بيت النبوة(عليهم السلام).

ان مما كان يعتقد به الميرزا ان منتصف الليل هو وقت توزيع العطايا والاُجور لهذا فانه كان يناجي الله بعد منتصف الليل، وكان لديه اتصال قلبي خاص مع معبوده تحكي عنه ذهابه منتصف الليالي إلى الحرم وتهجده في الحرم ومسجد الامام الحسن العسكري(عليه السلام)الذي أصبح حديث الطلاب.

والنكتة التي أصر عليها الميرزا في حديثه مع الطلاب أن قال لهم:علاوة على وجوب تمتع الطالب بالذكاء والفطنة عليه ان يتحرك بكل تواضع وتؤدة فلا يحسب لنفسه شأناً ومكانة في نفسه ، فينشغل بدرسه وأبحاثه بكل اخلاص فاذا ما اعتبر لنفسه مكانة ما فانه لن يصل إلى شيء(۱۳).