يمكن ان يؤخذ جامع قصد التقرب في متعلّق الأمر بالصلاة وغيرها من العبادات جزءاً، ففي هذه الصورة، كفاية قصد التقرّب بالمعنى المتقدّم يكشف عن عدم اعتبار خصوص غيره، ولا ينافي اعتبار الجامع بين أنحاء التقرّب وهو أن يكون عند العمل قصد يكون معه العمل للّه، نظير قوله (سبحانه): (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةِ لِلّهِ)(۱).
وبتعبير آخر: لا يكون ذلك الجامع قيداً لمتعلّق التكليف بنحو الشرطية، ليقال إنّ متعلّق الأمر يصير حصة من الصلاة لا نفس الصلاة، وإنّ الأجزاء التحليلية لا تتصف بالوجوب، بل يكون الجامع جزءاً من المركّب على نحو ما تقدّم، فيمكن للمكلف الإتيان بذات العمل بداعوية الأمر الضمني المتعلّق بنفس العمل، كما يمكن له الإتيان بالمركب من الصلاة وقصد الإتيان بها، لصلاحها أو لتحصيل رضا الربّ بها.
لا يقال: إذا فرض أخذ الجامع بين أنحاء التقرّب فذلك الجامع لا يمكن أن يعمّ الإتيان بداعوية الأمر بالعمل.
فإنّه يقال: إذا فرض حصول فرد للتقرب المأخوذ في متعلّق الأمر، يصح الإتيان بذات الفعل مع ذلك الفرد من التقرب، حيث إنّ الفعل مع ذلك الفرد من التقرب يكون مصداقاً للمجموع المتعلّق به الأمر، وسراية الحكم إلى الفرد، من الطبيعي الحاصل بعد الحكم لا محذور فيه، نظير قولك: (خير الكلام ما قلّ ودلّ) فإنّ الحكم المذكور فيه يشمل نفسه.
وبالجملة لو فرض امتناع أخذ التقرب ـ بمعنى داعوية الأمر إلى العمل ـ في متعلّق الأمر بذلك العمل، لما تقدّم من لزوم اتحاد الحكم والموضوع، فهذا الوجه يختصّ بأخذ خصوص التقرب المفروض لا جامع التقرب، فإنّ أخذ جامع التقرب لا يتوقف على فرض وجود الأمر بالفعل في مقام جعل الحكم، حيث إنّ الإطلاق ـ كما تقدّم ـ عبارة عن رفض القيود وعدم دخالتها في متعلّق الحكم، ولا يكون شيء من خصوصيات أنحاء التقرب مأخوذاً في متعلّق الأمر، فلا يلزم من أخذ الجامع لها محذور اتّحاد الحكم والموضوع.
نعم قد يقال ـ كما عن المحقّق النائيني (قدس سره) ـ: أنّه كما لا يمكن أخذ قصد التقرب ـ بمعنى قصد الفعل بداعي الأمر المتعلّق به ـ في المتعلّق، كذلك لا يمكن أخذ سائر وجوه القربة في متعلّق الأمر؛ وذلك لأنّ الدواعي كلّها في عرض واحد، بمعنى كونها في مرتبة سابقة على إرادة الفعل وتنشأ منها إرادة الفعل، وإذا كان الأمر كذلك، فيستحيل تعلّق الأمر بالفعل بداع خاصّ منها، أو بالجامع بينها، وذلك لأنّ إرادة العبد الناشئة من داع ما تتعلّق بالفعل ولا تتعلّق بالداعي، وإذا استحال تعلّق الإرادة التكوينية بشيء، استحال تعلّق الإرادة التشريعية به، فإنّ ما تتعلّق به الإرادة التكوينية من العبد يتعلّق به أمر المولى، ومن الظاهر أنّ إرادة العبد تتعلق بنفس العمل لا بالداعي الموجب لإرادة العمل، حيث إنّ الإرادة متأخّرة عن الداعي، فكيف تتعلّق الإرادة المتأخّرة بالداعي المتقدم عليها؟ وإذا كان الأمر في الإرادة التكوينية كذلك، فالإرادة التشريعية ـ يعني أمر المولى ـ أيضاً كذلك فإنّها تتعلّق بنفس ما تتعلّق به إرادة العبد لا بالداعي الموجب لإرادته(۲).
ولكن لا يخفى ما فيه، فإنّ الداعي الموجب لإرادة الفعل واختياره لا يدخل في متعلّق تلك الإرادة والاختيار، وأمّا تعلّق إرادة واختيار أُخرى بذلك الداعي فلا محذور فيه، ولو كان في ذلك محذور لما أمكن للمحقّق النائيني (قدس سره) الالتزام بتعلّق الأمر الثاني في العبادات باستناد الإتيان بالعمل إلى داعوية الأمر الأوّل المتعلّق بذات العمل، فإنّه من تعلّق الأمر الثاني بالداعي الموجب لإرادة الفعل. وبتعبير آخر: يمكن للعبد أن يختار ويريد الداعي الموجب لإرادته العمل.
ثمّ إنّه لو أُغمض عن كلّ ما ذكرنا إلى الآن، فنقول: لا مانع عن تعلّق أمر الشارع بالصلاة الخالية عن إرادتها بالدواعي النفسانية ولو بنحو التقييد، بأن يكون متعلّق الأمر الصلاة الخاصّة وهي الصلاة التي تعلّقت بها إرادة غير ناشئة عن الدواعي النفسانية، وهذا الوصف يستلزم قصد التقرب، فقصد التقرب بنفسه غير مأخوذ في متعلّق الأمر بالصلاة لا شرطاً و لا جزءاً، بل متعلّق الأمر نفس الصلاة الخالية عن الإرادة الناشئة من الدواعي النفسانية، وعليه يتمكّن المكلّف من الإتيان بالصلاة المتعلّق بها الأمر، فإنّه مع فرض الإتيان بها بداعوية الأمر بها تكون تلك الصلاة هي الصلاة التي تعلّق بها الأمر، فتدبر. ولعلّ هذا هو المراد ممّا حكي عن بعض تقريرات العلاّمة الشيرازي (قدس سره)، فلا يرد عليه شيء ممّا ذكر حوله(۳).
———————————————————————-
(۱) سورة البقرة: الآية ۱۹۶٫
(۲) أجود التقريرات: ۱ / ۱۰۹٫
(۳) حكي عنه (قدس سره) في أجود التقريرات: ۱ / ۱۱۱٫