ثمّ إنّه لا فرق في عدم الإجزاء ـ بناءاً على الطريقية في موارد الأُصول والامارات ـ بين انكشاف الخلاف بالوجدان أو انكشافه بحجّة معتبرة، كما في موارد تبدّل رأي المجتهد أو عدول العامي بعد موت مقلّده إلى الأعلم من الأحياء، أو عدوله إلى من صار أعلم ممّن كان يقلّده، وذلك لأنّ الأمارة السابقة أو الأصل السابق لا يزيد في الاعتبار على اليقين والاعتقاد الجزمي الذي لم يكن معتبراً بعد زواله حتّى بالإضافة إلى الأعمال السابقة.
فإنّ غاية دليل اعتبار الأمارة أنّها علم بالواقع، وغاية مفاد خطاب الأصل المحرز أنّ المكلّف عالم بالواقع، وخطاب الأصل غير المحرز أنّه تنجيز أو تعذير عن الواقع، على ما تقرّر من أنّه المجعول في مورد الأمارة أو الأصل، ولو قلنا بأنّه الحكم المماثل أو المؤدّى لا يخرج من الطريقية إلى النفسية أيضاً.
لا يقال: تبدّل الرأي والاجتهاد لا يوجب إلاّ زوال الاعتبار عن الاجتهاد السابق والفتوى السابقة، من حين زواله لا من الأوّل. وبتعبير آخر: التبدّل في الفتوى أو التردّد فيها، نظير الفسخ، لا يوجب إلغاء المعاملة إلاّ من حينه، فيكون التبدّل أو التردّد موجباً لإلغاء الرأي السابق من حين حصولهما لا من الأصل.
فإنّه يقال: قياس تبدّل الفتوى أو التردّد بفسخ المعاملة مع الفارق؛ إذ في مورد الفسخ يتغيّر الواقع من حين الفسخ، فالملكية الحاصلة بالبيع تنتفي من حين فسخه، ومع انتفائها من حينه لا يمكن ترتيب آثار عدم الملكية من الأوّل، بخلاف موارد تبدّل الفتوى أو التردّد، فإنّ الزائل من حين حصولهما هو الاعتبار لا الواقع، وإذا أُحرز الواقع بالفتوى الثانية، المفروض عدم اختصاص اعتبارها بالأعمال اللاحقة والموجود بعد التغيّر والتبدّل فقط، فاللازم تداركه مع فوته أو إحراز الإتيان به، ودعوى أنّه لا اعتبار للفتوى اللاحقة بالإضافة إلى الأعمال السابقة، يدفعها مقتضى إطلاق دليل اعتبارها بعد سقوط الأُولى عن الاعتبار، حتّى بالإضافة إلى تلك الأعمال؛ ولذا لو فات الواقع بترك العمل بها في السابق يجب تداركه على طبق الحجّة الفعلية.
وينبغي قياس المقام بحصول التردّد وصيرورة المكلف شاكّاً بزوال يقينه، فإنّ زوال الاعتقاد وإن لم يوجب إلاّ زوال المنجزيّة والمعذريّة من حين زواله، إلاّ أنّه بعده لا اعتبار له حتّى بالإضافة إلى الأعمال السابقة. وتوضيح ذلك: إنّ تبدّل الفتوى يكون بالظفر بأصل حاكم على الأصل الذي كان يُعتمد عليه، أو بالظفر بالأمارة أو المخصّص أو المقيّد أو القرينة على خلاف ما كان يعتمد عليه، وإذا ظفر بذلك فهو يكشف بحسب المدلول عن ثبوت مقتضاها من الأوّل، وهذا الكشف قد اعتبر علماً على ما هو مفاد دليل اعتبار الأمارة، ولا ينتفي بعد ذلك موضوع الحجّة والأصل الذي كان يعتمد عليه، حتّى بالإضافة إلى الأعمال الماضية، وليس المراد أنّ قيامها يكشف عن عدم الأصل من الأوّل، بل المراد ارتفاع موضوع الأصل والحجّة بالظفر على الأصل الحاكم أو الأمارة أو المخصّص والمقيّد ونحوهما من القرائن، ونظير ذلك ما إذا استظهر من رواية حكماً ثمّ تردّد في الاستظهار، فإنّه لم يثبت عنده ظهور فعلا ليبقى معتبراً بالإضافة إلى الأعمال السابقة.
والحاصل أنّ الإجزاء في موارد الأُصول العملية أو الأمارة بعد انكشاف الواقع على خلافها ولو بكاشف تعبّدي يحتاج إلى دليل خاصّ أو عامّ، كالذي ذكرناه وجهاً للإجزاء في العبادات والمعاملات، بمعنى العقود والإيقاعات في موارد تغيّر الفتوى أو عدول العامي، أو مثل حديث «لا تعاد» في موارد الإخلال بما يعتبر في الصلاة ممّا لا يدخل في المستثنى الوارد فيه، ويطلب تفصيل المقام ممّا ذكرناه في بحث الاجتهاد والتقليد في وجه الإجزاء.